الرحمن عهدا، فكل من اتخذ عند الرحمن عهدا وجب دخوله فيه وصاحب الكبيرة اتخذ عند الرحمن عهدا وهو التوحيد والاسلام، فوجب أن يكون داخلا تحته أقصى ما في الباب أن يقال: واليهودي اتخذ عند الرحمن عهدا وهو الايمان بالله فوجب دخوله تحته لكنا نقول ترك العمل به في حقه لضرورة الاجماع فوجب أن يكون معمولا به فيما وراءه (ورابعها) قوله تعالى في صفة الملائكة (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وجه الاستدلال به أن صاحب الكبيرة مرتضى عند الله تعالى وكل من كان مرتضى عند الله تعالى وجب أن يكون من أهل الشفاعة إنما قلنا إن صاحب الكبيرة مرتضى عند الله تعالى لأنه مرتضى عند الله بحسب إيمانه وتوحيده وكل من صدق عليه أنه مرتضى عند الله بحسب هذا الوصف يصدق عليه أنه مرتضى عند الله تعالى لان المرتضى عند الله جزء من مفهوم قولنا: مرتضى عند الله بحسب إيمانه، ومتى صدق المركب صدق المفرد فثبت أن صاحب الكبيرة مرتضى عند الله، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون من أهل الشفاعة لقوله تعالى (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) نفى الشفاعة إلا لمن كان مرتضى والاستثناء عن النفي إثبات فوجب أن يكون المرتضى أهلا لشفاعتهم، وإذا ثبت أن صاحب الكبيرة داخل في شفاعة الملائكة وجب دخوله في شفاعة الأنبياء. وشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ضرورة أنه لا قائل بالفرق. فإن قيل: الكلام على هذا الاستدلال من وجهين (الأول) أن الفاسق ليس بمرتضى فوجب أن لا يكون أهلا لشفاعة الملائكة، وإذا لم يكن أهلا لشفاعة الملائكة وجب أن لا يكون أهلا لشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إنما قلنا: إنه ليس بمرتضى لأنه ليس بمرتضى بحسب فسقه وفجوره ومن صدق عليه أنه ليس بمرتضى وجب أن لا يكون أهلا لشفاعة الملائكة لان قوله تعالى (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) يدل على نفى الشفاعة عن الكل إلا في حق المرتضى فإذا كان صاحب الكبيرة غير مرتضى وجب أن يكون داخلا في النفي (الوجه الثاني) أن الاستدلال بالآية إنما يتم لو كان قوله (ولا يشفعون إلا لم ارتضى) محمولا على أن المراد منه ولا يشفعون إلا لمن ارتضاه الله، أما لو حملناه على أن المراد منه ولا يشفعون إلا لمن ارتضى الله منه شفاعته فحينئذ لا تدل الآية إلا إذا ثبت أن الله تعالى ارتضى شفاعة صاحب الكبيرة، وهذا أول المسألة.
والجواب عن الأول: أنه ثبت في العلوم المنطقية أن المهملتين لا يتناقضان، فقولنا زيد عالم زيد ليس بعالم لا يتناقضان لاحتمال أن يكون المراد زيد عالم بالفقه زيد ليس بعالم بالكلام، وإذا ثبت هذا فكذا قولنا صاحب الكبيرة مرتضى صاحب الكبيرة ليس بمرتضى لا يتناقضان لاحتمال أن يقال إنه مرتضى بحسب دينه ليس بمرتضى بحسب فسقه، وأيضا فمتى ثبت أنه مرتضى بحسب إسلامه ثبت مسمى كونه مرتضى وإذا كان المستثنى هو مجرد كونه مرتضى، ومجرد كونه