وقالت المعتزلة: لفظ اللقاء لا يفيد الرؤية الدليل عليه الآية والخبر والعرف. أما الآية فقوله تعالى (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه) والمنافق لا يرى ربه، وقال (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) وقال تعالى معرض التهديد (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه) فهذا يتناول الكافر والمؤمن، والرؤية لا تثبت للكافر فعلمنا أن اللقاء ليس عبارة عن الرؤية. وأما الخبر فقوله عليه السلام من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضان وليس المراد رأى الله تعالى لان ذلك وصف أهل النار، وأما العرف فهو قول المسلمين فيمن مات:
لقى الله، ولا يعنون أنه رأى الله عز وجل، وأيضا فاللقاء يراد به القرب ممن يلقاه على وجه يزول الحجاب بينهما، ولذلك يقول الرجل إذا حجب عن الأمير: ما لفيته بعد وإن كان قد رآه، وإذا أذن له في الدخول عليه يقول لقيته، وإن كان ضريرا، ويقال لقى فلان جهدا شديدا.
ولقيت من فلان الداهية، ولاقى فلان حمامه، وكل ذلك يدل على أن اللقاء ليس عبارة عن الرؤية ويدل عليه أيضا قوله تعالى (فالتقى الماء على أمر قد قدر) وهذا إنما يصح في حق الجسم ولا يصح على الله تعالى. قال الأصحاب: اللقاء في أصل اللغة عبارة عن وصول أحد الجسمين إلى الآخر بحيث يماسه بمسطحه يقال: لقى هذا ذاك إذا ماسه واتصل به، ولما كانت الملاقاة بين الجنسين المدركين سببا لحصول الادراك فحيث يمتنع إجزاء اللفظ على الماسة وجب حمله على الادراك لان إطلاق لفظ السبب على المسبب من أقوى وجوه المجاز، فثبت أنه يجب حمل لفظ اللقاء على الادراك أكثر ما في الباب أنه ترك هذا المعنى في بعض الصور لدليل يخصه فوجب إجراؤه على الادراك في البواقي، وعلى هذا التقرير زالت السؤالات. أما قوله:
(فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه) والمنافق لا يرى ربه، قلنا: فلأجل هذه الضرورة المراد إلى يوم يلقون حسابه وحكمه إلا أن هذا الاضمار على خلاف الدليل وانما يصار إليه عند الضرورة ففي هذا الموضع لما اضطررنا إليه اعتبرناه، وأما في قوله تعالى (أنهم ملاقوا ربهم) لا ضرورة في صرف اللفظ عن ظاهره ولا في إضمار هذه الزيادة فلا جرم وجب تعليق اللقاء بالله تعالى لا يحكم الله، فان اشتغلوا بذكر الدلائل العقلية التي تمنع من جواز الرؤية بينا ضعفها وحينئذ يستقيم التمسك بالظاهر من هذا الوجه.
(المسألة الثانية) المراد من الرجوع إلى الله تعالى الرجوع إلى لا يكون لهم مالك سواه وأن لا يملك لهم أحد نفعا ولا ضرا غيره كما كانوا كذلك في أول الخلق فجعل مصيرهم إلى مثل كانوا عليه أولا رجوعا إلى الله من حيث كانوا في سائر أيام حياتهم قد يملك غيره الحكم عليهم ويملك أن يضرهم وينفعهم وإن كان الله تعالى مالكا لهم في جميع أحوالهم، وقد احتج بهذه الآية فريقان من المبطلين: الأول: المجسمة فإنهم قالوا الرجوع إلى غير الجسم محال فلما ثبت الرجوع إلى الله وجب كون الله جسما، الثاني: التناسخية فإنهم قالوا الرجوع إلى الشئ