وأخرج من الجنة وقيل له: * (فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها) * (الأعراف: 13)، وقال أيضا: * (فاخرج منها فإنك رجيم) * (ص: 77 (الحجر: 34)، وإنما اهبط منها لأجل تكبره، فزلة آدم عليه السلام إنما وقعت بعد ذلك بمدة طويلة، ثم أمر بالهبوط بسبب الزلة، فلما حصل هبوط إبليس قبل ذلك كيف يكون قوله: * (اهبطوا) *، متناولا له؟ قلنا: إن الله تعالى لما أهبطه إلى الأرض فلعله عاد إلى السماء مر أخرى لأجل أن يوسوس إلى آدم وحواء فحين كان آدم وحواء في الجنة قال الله تعالى لهما: * (اهبطا) *، فلما خرجا من الجنة واجتمع إبليس معهما خارج الجنة أمر الكل فقال: * (اهبطوا) * ومن الناس من قال ليس معنى قوله: * (اهبطوا) * أنه قال ذلك لهم دفعة واحدة، بل قال ذلك لكل واحد منهم على حدة في وقت. الوجه الثاني: أن المراد آدم وحواء والحية وهذا ضعيف لأنه ثبت بالإجماع أن المكلفين هم الملائكة والجن والإنس، ولقائل أن يمنع هذا الإجماع فإن من الناس من يقول قد يحصل في غيرهم جمع من المكلفين على ما قال تعالى: * ( كل قد علم صلاته وتسبيحه) * (النور: 41)، وقال سليمان للهدهد: * (لأعذبنه عذابا شديدا) * (النمل: 21). الثالث: المراد آدم وحواء وذريتهما لأنهما لما كانا أصل الإنس جعلا كأنهما الإنس كلهم، والدليل عليه قوله: * (اهبطوا بعضكم لبعض عدو... اهبطوا منها جميعا) * (البقرة: 36، 38)، ويدل عليه أيضا قوله: * (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (البقرة: 38، 39). وهذا حكم يعم الناس كلهم ومعنى: * (بعضكم لبعض عدو) * ما عليه الناس من التعادي والتباغض وتضليل بعضهم لبعض، واعلم أن هذا القول ضعيف لأن الذرية ما كانوا موجودين في ذلك الوقت فكيف يتناولهم الخطاب؟ أما من زعم أن أقل الجمع اثنان فالسؤال زائل على قوله:
المسألة الثالثة: اختلفوا في أن قوله: * (اهبطوا) * أمر أو إباحة، والأشبه أنه أمر لأن فيه مشقة شديدة لأن مفارقة ما كانا فيه من الجنة إلى موضع لا تحصل المعيشة فيه إلا بالمشقة والكد من أشق التكاليف، وإذا ثبت هذا بطل ما يظن أن ذلك عقوبة، لأن التشديد في التكليف سبب للثواب، فكيف يكون عقابا مع ما فيه من النفع العظيم؟ فإن قيل: ألستم تقولون في الحدود وكثير من الكفارات إنها عقوبات وإن كانت من باب التكاليف، قلنا: أما الحدود فهي واقعة بالمحدود من فعل الغير، فيجوز أن تكون عقابا إذا كان الرجل مصرا، وأما الكفارات فإنما يقال في بعضها إنه يجري مجرى العقوبات لأنها لا تثبت إلا مع المأثم. فأما أن تكون عقوبة مع كونها تعريضات للثواب العظيم فلا.
المسألة الرابعة: أن قوله تعالى: * (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) *، أمر بالهبوط وليس أمرا بالعداوة، لأن عداوة إبليس لآدم وحواء عليهما السلام بسبب الحسد والاستكبار عن السجود واختداعه إياهما حتى أخرجهما من الجنة وعداوته لذريتهما بإلقاء الوسوسة والدعوة إلى الكفر والمعصية، وشئ من ذلك لا يجوز أن يكون مأمورا به، فأما عداوة آدم لإبليس