القول في النعم الخاصة ببني إسرائيل اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أقام دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أولا ثم عقبها بذكر الإنعامات العامة لكل البشر عقبها بذكر الإنعامات الخاصة على أسلاف اليهود كسرا لعنادهم ولجاجهم بتذكير النعم السالفة واستمالة لقلوبهم بسببها وتنبيها على ما يدل على نوبة محمد صلى الله عليه وسلم من حيث كونها إخبارا عن الغيب. واعلم أنه سبحانه ذكرهم تلك النعم أولا على سبيل الإجمال فقال: * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) * وفرع على تذكيرها الأمر بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال: * (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم) * ثم عقبها بذكر الأمور التي تمنعهم عن الإيمان به، ثم ذكرهم تلك النعم على سبيل الإجمال ثانيا بقوله مرة أخرى: * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) * تنبيها على شدة غفلتهم، ثم أردف هذا التذكير بالترغيب البالغ بقوله: * (وأني فضلتكم على العالمين) * (البقرة: 41) مقرونا بالترهيب البالغ بقوله: * (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) * (البقرة: 48) إلى آخر الآية. ثم شرع بعد ذلك في تعديد تلك النعم على سبيل التفصيل ومن تأمل وأنصف علم أن هذا هو النهاية في حسن الترتيب لمن يريد الدعوة وتحصيل الاعتقاد في قلب المستمع. وإذ قد حققنا هذه المقدمة فلنتكلم الآن في التفسير بعون الله.
* (يا بنى إسرءيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياي فرهبون) * المسألة الأولى: اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ويقولون إن معنى إسرائيل عبد الله لأن " إسرا " في لغتهم هو العبد و " إيل " هو الله وكذلك جبريل وهو عبد الله وميكائيل عبد الله. قال القفال: قيل إن " إسرا " بالعبرانية في معنى إنسان فكأنه قيل رجل الله فقوله: * (يا بني إسرائيل) * خطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من ولد يعقوب عليه السلام في أيام محمد صلى الله عليه وسلم. المسألة الثانية: حد النعمة أنها المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير ومنهم من يقول: المنفعة الحسنة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، قالوا: وإنما زدنا هذا لأن النعمة يستحق بها الشكر وإذا كانت قبيحة لم يستحق بها الشكر والحق أن هذا القيد غير معتبر لأنه