غير جائز.
أما قوله تعالى: * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * فالعثي أشد الفساد، فقيل لهم: لا تتمادوا في الفساد في حالة إفسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه، والمقصود منه ما جرت العادة بين الناس من التشاجر والتنازع في الماء عند اشتداد الحاجة إليه، فكأنه تعالى قال: إن وقع التنازع بسبب ذلك الماء فلا تبالغوا في التنازع والله أعلم.
* (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام وحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثآئها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) * اعلم أن القراءة المعروفة يخرج لنا بضم الياء وكسر الراء، تنبت بضم التاء وكسر التاء، وقرأ زيد بن علي بفتح الياء وضم الراء، تنبت بفتح التاء وضم الباء، ثم اعلم أن أكثر الظاهريين من المفسرين زعموا أن ذلك السؤال كان معصية، وعندنا أنه ليس الأمر كذلك، والدليل عليه أن قوله تعالى: * (كلوا واشربوا) * من قبل هذه الآية عند إنزال المن والسلوى ليس بإيجاب بل هو إباحة، وإذا كان كذلك لم يكن قولهم: * (لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك) * معصية لأن من أبيح له ضرب من الطعام يحسن منه أن يسأل غير ذلك إما بنفسه أو على لسان الرسول، فلما كان عندهم أنهم إذا سألوا موسى أن يسأل ذلك من ربه كان الدعاء أقرب إلى الإجابة جاز لهم ذلك ولم يكن فيه معصية.
واعلم أن سؤال النوع الآخر من الطعام يحتمل أن يكون لأغراض: الأول: أنهم لما تناولوا ذلك النوع الواحد أربعين سنة ملوه فاشتهوا غيره، الثاني: لعلهم في أصل الخلقة ما تعودوا ذلك النوع وإنما تعودوا سائر الأنواع ورغبة الإنسان فيما اعتاده في أصل التربية وإن كان