* (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) *.
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما حكم بجواز النسخ عقبه ببيان أن ملك السماوات والأرض له لا لغيره، وهذا هو التنبيه على أنه سبحانه وتعالى إنما حسن منه الأمر والنهي لكونه مالكا للخلق وهذا هو مذهب أصحابنا وإنه إنما حسن التكليف منه لمحض كونه مالكا للخلق مستوليا عليهم لا لثواب يحصل، أو لعقاب يندفع. قال القفال: ويحتمل أن يكون هذا إشارة إلى أمر القبلة، فإنه تعالى أخبرهم بأنه مالك السماوات والأرض وأن الأمكنة والجهات كلها له وأنه ليس بعض الجهات أكبر حرمة من البعض إلا من حيث يجعلها هو تعالى له، وإذا كان كذلك وكان الأمر باستقبال القبلة إنما هو محض التخصيص بالتشريف، فلا مانع يمنع من تغيره من جهة إلى جهة، وأما الولي والنصير فكلاهما فعيل بمعنى فاعل على وجه المبالغة، ومن الناس من استدل بهذه الآية على أن الملك غير القدرة، فقال: إنه تعالى قال أولا: * (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) * ثم قال بعده: * (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض) * فلو كان الملك عبارة عن القدرة لكان هذا تكريرا من غير فائدة، والكلام في حقيقة الملك والقدرة قد تقدم في قوله: * (مالك يوم الدين) * (الفاتحة: 4).
* (أم تريدون أن تسالوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سوآء السبيل) * المسألة الأولى: " أم " على ضربين متصلة ومنقطعة، فالمتصلة عديلة الألف وهي مفرقة لما جمعته أي، كما أن " أو " مفرقة لما جمعته تقول: اضرب أيهم شئت زيدا أم عمرا، فإذا قلت: اضرب أحدهم قلت: اضرب زيدا أو عمرا، والمنقطعة لا تكون إلا بعد كلام تام، لأنها بمعنى بل والألف، كقول العرب: إنها الإبل أم شاء، كأنه قال: بل هي شاء، ومنه قوله تعالى: * (أم يقولون افتراه) * (الأحقاف: 8) أي: بل يقولون، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا