السؤال الأول: أن قوله تعالى: * (يكفرون) * دخل تحته قتل الأنبياء فلم أعاد ذكره مرة أخرى؟ الجواب: المذكور ههنا الكفر بآيات الله، وذلك هو الجهل والجحد بآياته فلا يدخل تحته قتل الأنبياء.
السؤال الثاني: لم قال: * (بغير الحق) * وقتل الأنبياء لا يكون إلا على هذا الوجه؟ الجواب من وجهين: الأول: أن الإتيان بالباطل قد يكون حقا لأن الآتي به اعتقده حقا لشبهة وقعت في قلبه وقد يأتي به مع علمه بكونه باطلا، ولا شك أن الثاني أقبح فقوله: * (ويقتلون النبيين بغير الحق) * أي أنهم قتلوهم من غير أن كان ذلك القتل حقا في اعتقادهم وخيالهم بل كانوا عالمين بقبحه ومع ذلك فقد فعلوه. وثانيها: أن هذا التكرير لأجل التأكيد كقوله تعالى: * (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) * (المؤمنون: 117) ويستحيل أن يكون لمدعي الإله الثاني برهان. وثالثها: أن الله تعالى لو ذمهم على مجرد القتل لقالوا: أليس أن الله يقتلهم ولكنه تعالى قال: القتل الصادر من الله قتل بحق ومن غير الله قتل بغير حق.
وأما قوله تعالى: * (ذلك بما عصوا) * فهو تأكيد بتكرير الشيء بغير اللفظ الأول وهو بمنزلة أن يقول الرجل لعبده وقد احتمل منه ذنوبا سلفت منه فعاقبه عند آخرها: هذا بما عصيتني وخالفت أمري، هذا بما تجرأت علي واغتررت بحلمي، هذا بكذا فيعد عليه ذنوبه بألفاظ مختلفة تبكيتا. أما قوله تعالى: * (وكانوا يعتدون) * فالمراد منه الظلم: أي تجاوزوا الحق إلى الباطل. واعلم أنه تعالى لما ذكر إنزال العقوبة بهم بين علة ذلك فبدأ أولا بما فعلوه في حق الله تعالى وهو جهلهم به وجحدهم لنعمه ثم ثناه بما يتلوه في العظم وهو قتل الأنبياء ثم ثلثه بما يكون منهم من المعاصي التي تخصهم ثم ربع بما يكون منهم من المعاصي المتعدية إلى الغير مثل الاعتداء والظلم، وذلك في نهاية حسن الترتيب. فإن قيل: قال ههنا: * (ويقتلون النبيين بغير الحق) * ذكر الحق بالألف واللام معرفة، وقال في آل عمران: * (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق) * (آل عمران: 21) نكرة، وكذلك في هذه السورة: * (ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ليسوا سواء) * (آل عمران: 112، 113) فما الفرق؟ الجواب: الحق المعلوم فيما بين المسلمين الذي يوجب القتل، قال عليه السلام، لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث، " كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق "، فالحق المذكور بحرف التعريف إشارة إلى هذا وأما الحق المنكر فالمراد به تأكيد العموم أي لم يكن هناك حق لا هذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره البتة.
* (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم