لا تحصل إلا بذبحها ويجوز أن يكون الحال فيها وفي غيرها على السوية والأقرب هو الأول، لأنه لو قام غيرها مقامها لما وجبت على التعيين، بل على التخير بينها وبين غيرها وههنا سؤالان:
السؤال الأول: ما الفائدة في ضرب المقتول ببعض البقرة مع أن الله تعالى قادر على أن يحييه ابتداء؟ الجواب: الفائدة فيه لتكون الحجة أوكد وعن الحيلة أبعد فقد كان يجوز لملحد أن يوهم أن موسى عليه السلام إنما أحياه بضرب من السحر والحيلة، فإنه إذا حيي عندما يضرب بقطعة من البقرة المذبوحة انتفت الشبهة في أنه لم يحي بشيء انتقل إليه من الجسم الذي ضرب به، إذا كان ذلك إنما حيي بفعل فعلوه هم، فدل ذلك على أن إعلام الأنبياء إنما يكون من عند الله لا بتمويه من العباد وأيضا فتقديم القربان مما يعظم أمر القربان.
السؤال الثاني: هلا أمر بذبح غير البقرة، وأجابوا بأن الكلام في غيرها لو أمروا به كالكلام فيه، ثم ذكروا فيها فوائد، منها التقرب بالقربان الذي كانت العادة به جارية ولأن هذا القربان كان عندهم من أعظم القرابين ولما فيه من مزيد الثواب لتحمل الكلفة في تحصيل هذه البقرة على غلاء ثمنها، ولما فيه من حصول المال العظيم لمالك البقرة.
المسألة الرابعة: اختلفوا في أن ذلك البعض الذي ضربوا القتيل به ما هو؟ والأقرب أنهم كانوا مخيرين في أبعاض البقرة لأنهم أمروا بضرب القتيل ببعض البقرة وأي بعض من أبعاض البقرة ضربوا القتيل به، فإنهم كانوا ممتثلين لمقتضى قوله: * (اضربوه ببعضها) * والإتيان بالمأمور به يدل على الخروج عن العهدة على ما ثبت في أصول الفقه، وذلك يقتضي التخيير. واختلفوا في البعض الذي ضرب به القتيل فقيل: لسانها وقيل: فخذها اليمنى وقيل: ذنبها وقيل: العظم الذي يلي الغضروف وهو أصل الآذان، وقيل: البضعة بين الكتفين، ولا شك أن القرآن لا يدل عليه فإن ورد خبر صحيح قبل وإلا وجب السكوت عنه.
المسألة الخامسة: في الكلام محذوف والتقدير، فقلنا اضربوه ببعضها فضربوه ببعضها فحيي إلا أنه حذف ذلك لدلالة قوله تعالى: * (كذلك يحيي الله الموتى) * وعليه هو كقوله تعالى: * (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * (البقرة: 60) أي فضرب فانفجرت، روي أنهم لما ضربوه قام بإذن الله وأوداجه تشخب دما، وقال قتلني فلان، وفلان لابني عمه ثم سقط ميتا: وقتلا.
أما قوله تعالى: * (كذلك يحيي الله الموتى) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: في هذه الآية وجهان: أحدهما: أن يكون إشارة إلى نفس ذلك الميت. والثاني: أنه احتجاج في صحة الإعادة، ثم هذا الاحتجاج أهو على المشركين أو على غيرهم؟ فيه وجهان. الأول: قال الأصم: إنه على المشركين لأنه إن ظهر لهم بالتواتر أن هذا الإحياء قد كان على هذا الوجه علموا صحة الإعادة، وإن لم يظهر ذلك بالتواتر فإنه يكون داعية لهم إلى التفكر. قال القاضي: وهذا هو الأقرب لأنه تقدم منه تعالى ذكر الأمر بالضرب وأنه سبب إحياء ذلك