بالهداية والبشارة يجب أن يكون مشكورا فكيف تليق به العداوة، والثاني: أنه تعالى بين أن اليهود إن كانوا يعادونه فيحق لهم ذاك، لأنه نزل عليك الكتاب برهانا على نبوتك، ومصداقا لصدقك وهم يكرهون ذلك فكيف لا يبغضون من أكد عليهم الأمر الذي يكرهونه:
أما قوله تعالى: * (بإذن الله) * فالأظهر بأمر الله وهو أولى من تفسيره بالعلم لوجوه. أولها؛ أن الإذن حقيقة في الأمر مجاز في العلم واللفظ واجب الحمل على حقيقته ما أمكن. وثانيها: أن إنزاله كان من الواجبات والوجوب مستفاد من الأمر لا من العلم. وثالثها: أن ذلك الإنزال إذا كان عن أمر لازم كان أوكد في الحجة.
أما قوله تعالى: * (مصدقا لما بين يديه) * فمحمول على ما أجمع عليه أكثر المفسرين من أن المراد ما قبله من كتب الأنبياء ولا معنى لتخصيص كتاب، ومنهم من خصه بالتوراة وزعم أنه أشار إلى أن القرآن يوافق التوراة في الدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: أليس أن شرائع القرآن مخالفة لشرائع سائر الكتب، فلم صار بأن يكون مصدقا لها لكونها متوافقة في الدلالة على التوحيد ونبوة محمد أولى بأن يكون غير مصدق لها؟ قلنا: الشرائع التي تشتمل عليها سائر الكتب كانت مقدرة بتلك الأوقات ومنتهية في هذا الوقت بناء على أن النسخ بيان انتهاء مدة العبادة، وحينئذ لا يكون بين القرآن وبين سائر الكتب اختلاف في الشرائع.
أما قوله تعالى: * (وهدى) * فالمراد به أن القرآن مشتمل على أمرين. أحدهما: بيان ما وقع التكليف به من أعمال القلوب وأعمال الجوارح وهو من هذا الوجه هدى. وثانيهما: بيان أن الآتي بتلك الأعمال كيف يكون ثوابه وهو من هذا الوجه بشرى، ولما كان الأول مقدما على الثاني في الوجود لا جرم قدم الله لفظ الهدى على لفظ البشرى، فإن قيل: ولم خص كونه هدى وبشرى بالمؤمنين مع أنه كذلك بالنسبة إلى الكل؟ الجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى إنما خصهم بذلك، لأنهم هم الذين اهتدوا بالكتاب فهو كقوله تعالى: * (هدى للمتقين) *. والثاني: أنه لا يكون بشرى إلا للمؤمنين، وذلك لأن البشرى عبارة عن الخبر الدال على حصول الخير العظيم وهذا لا يحصل إلا في حق المؤمنين، فلهذا خصهم الله به.
أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: * (من كان عدوا لله وملائكته) * فاعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى: * (من كان عدوا لجبريل) * لأجل أنه نزل القرآن على قلب محمد، وجب أن يكون عدوا لله تعالى، بين في هذه الآية أن من كان عدوا لله كان عدوا له، فبين أن في مقابلة عداوتهم ما يعظم ضرر الله عليهم وهو عداوة الله لهم، لأن عداوتهم لا تؤثر ولا تنفع ولا تضر، وعداوته تعالى تؤدي إلى العذاب الدائم الأليم الذي لا ضرر أعظم منه، وههنا سؤالات:
السؤال الأول: كيف يجوز أن يكونوا أعداء الله ومن حق العداوة الإضرار بالعدو، وذلك محال على الله تعالى؟ والجواب: أن معنى العداوة على الحقيقة لا يصح إلا فينا لأن العدو