المسألة الأولى: اختلفوا في الأمي فقال بعضهم هو من لا يقر بكتاب ولا برسول. وقال آخرون: من لا يحسن الكتابة والقراءة وهذا الثاني أصوب لأن الآية في اليهود وكانوا مقرين بالكتاب والرسول ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: " نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وذلك يدل على هذا القول، ولأن قوله: * (لا يعلمون الكتاب) * لا يليق إلا بذلك.
المسألة الثانية: " الأماني " جمع أمنية ولها معان مشتركة في أصل واحد، أحدها: ما تخيله الإنسان فيقدر في نفسه وقوعه ويحدثها بكونه، ومن هذا قولهم: فلان يعد فلانا ويمنيه ومنه قوله تعالى: * (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * (النساء: 12) فإن فسرنا الأماني بهذا كان قوله: (إلا أماني إلا ما هم عليه من أمانيهم في أن الله تعالى لا يؤاخذهم بخطاياهم) وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم وما تمنيهم أحبارهم من أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة. وثانيها: * (إلا أماني) * إلا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد، قال أعرابي لابن دأب في شيء حدث به: أهذا شيء رويته أم تمنيته أم اختلقته. وثالثها: * (إلا أماني) * أي إلا ما يقرأون من قوله: تمنى كتاب الله أول ليلة. قال صاحب " الكشاف " والاشتقاق منى من، إذا قدر لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه، وكذلك المختلق والقارئ يقدر أن كلمة كذا بعد كذا، قال أبو مسلم: حمله على تمنى القلب أولى بدليل قوله تعالى: * (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم) * (البقرة: 111) أي تمنيهم. وقال الله تعالى: * (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) * (النساء: 123) وقال: * (تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم) * (البقرة: 111) وقال تعالى: * (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) * (الجاثية: 24) بمعنى يقدرون ويخرصون. وقال الأكثرون: حمله على القراءة أولى كقوله تعالى: * (إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * (الحج: 52) ولأن حمله على القراءة أليق بطريقة الاستثناء لأنا إذا حملناه على ذلك كان له به تعلق فكأنه قال: لا يعلمون الكتاب إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه وبقدر ما يذكر لهم فيقبلونه، ثم إنهم لا يتمكنون من التدبر والتأمل، وإذا حمل على أن المراد الأحاديث والأكاذيب أو الظن والتقدير وحديث النفس كان الاستثناء فيه نادرا.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (إلا أماني) * من الاستثناء المنقطع، قال النابغة:
حلفت يمينا غير ذي مثنوية * ولا علم إلا حسن ظن بغائب وقرئ " إلا أماني " بالتخفيف. أما قوله تعالى: * (وإن هم إلا يظنون) * فكالمحقق لما قلناه لأن الأماني إن أريد بها التقدير والفكر لأمور لا حقيقة لها، فهي ظن ويكون ذلك تكرارا. ولقائل أن يقول: حديث النفس غير والظن غير فلا يلزم التكرار وإذا حملناه على التلاوة عليهم يحسن معناه، فكأنه تعالى قال: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا بأن يتلى عليهم فيسمعوه وإلا بأن يذكرهم تأويله كما يراد فيظنون، وبين تعالى أن هذه الطريقة لا توصل إلى الحق، وفي الآية مسائل. أحدها: أن المعارف كسبية لا ضرورية فلذلك ذم من لا يعلم ويظن. وثانيها: بطلان التقليد مطلقا وهو مشكل لأن