لهم عن النفاق، وعن وصية بعضهم بعضا بكتمان دلائل نبوة محمد. والأقرب أن اليهود المخاطبين بذلك كانوا عالمين بذلك، لأنه لا يكاد يقال على طريق الزجر: أولا يعلم كيت وكيت إلا وهو عالم بذلك الشيء، ويكون ذلك الشيء زاجرا له عن ذلك الفعل، وقال بعضهم: هؤلاء اليهود كيف يستجيزون أن يسر إلى إخوانهم النهي عن إظهار دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم ليسوا كالمنافقين الذين لا يعلمون الله ولا يعلمون كونه عالما بالسر والعلانية، فشأنهم من هذه الجهة أعجب. قال القاضي: الآية تدل على أمور. أحدها: أنه تعالى إن كان هو الخالق لأفعال العباد فكيف يصح أن يزجرهم عن تلك الأقوال والأفعال. وثانيها: أنها تدل على صحة الحجاج والنظر وأن ذلك كان طريقة الصحابة والمؤمنين وأن ذلك كان ظاهرا عند اليهود حتى قال بعضهم لبعض ما قالوه، وثالثها: أنها تدل على أن الحجة قد تكون إلزامية لأنهم لما اعترفوا بصحة التوراة وباشتمالها على ما يدل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام لا جرم لزمهم الاعتراف بالنبوة ولو منعوا إحدى تينك المقدمتين لما تمت الدلالة. ورابعها: أنها تدل على أن الآتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية يكون أعظم جرما ووزرا والله أعلم.
* (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى وإن هم إلا يظنون * فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) * اعلم أن المراد بقوله: * (ومنهم أميون) * اليهود لأنه تعالى لما وصفهم بالعناد وأزال الطمع عن إيمانهم بين فرقهم، فالفرقة الأولى هي الفرقة الضالة المضلة، وهم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه. والفرقة الثانية: المنافقون، والفرقة الثالثة: الذين يجادلون المنافقين، والفرقة الرابعة: هم المذكورون في هذه الآية وهم العامة الأميون الذين لا معرفة عندهم بقراءة ولا كتابة وطريقتهم التقليد وقبول ما يقال لهم، فبين الله تعالى أن الذين يمتنعون عن قبول الإيمان ليس سبب ذلك الامتناع واحدا بل لكل قسم منهم سبب آخر ومن تأمل ما ذكره الله تعالى في هذه الآية من شرح فرق اليهود وجد ذلك بعينه في فرق هذه الأمة، فإن فيهم من يعاند الحق ويسعى في إضلال الغير وفيهم من يكون متوسطا، وفيهم من يكون عاميا محضا مقلدا، وههنا مسائل: