الأسباب الخاصة فقط علمنا أن إفادتها للعموم لا يكون قويا والله أعلم.
أما الذين قطعوا بنفي العقاب عن أهل الكبائر فقد احتجوا بوجوه. الأول: قوله تعالى: * (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) * (النحل: 27) وقوله تعالى: * (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) * (طه: 48) دلت هذه الآية على أن ماهية الخزي والسوء والعذاب مختصة بالكافر، فوجب أن لا يحصل فرد من أفراد هذه الماهية لأحد سوى الكافرين. الثاني: قوله تعالى: * (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) * (الزمر: 53)، حكم تعالى بأنه يغفر كل الذنوب ولم يعتبر التوبة ولا غيرها، وهذا يفيد القطع بغفران كل الذنوب. الثالث: قوله تعالى: * (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) * (الرعد: 6) وكلمة " على " تفيد الحال كقولك: رأيت الملك على أكله، أي رأيته حال اشتغاله بالأكل، فكذا ههنا وجب أن يغفر لهم الله حال اشتغالهم بالظلم وحال الاشتغال بالظلم يستحيل حصول التوبة منهم، فعلمنا أنه يحصل الغفران بدون التوبة ومقتضى هذه الآية أن يغفر للكافر لقوله تعالى: * (إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 13) إلا أنه ترك العمل به هناك فبقي معمولا به في الباقي. والفرق أن الكفر أعظم حالا من المعصية. الرابع: قوله تعالى: * (فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى) * (الليل: 14 - 16)، وكل نار فإنها متلظية لا محالة، فكأنه تعالى قال إن النار لا يصلاها إلا الأشقى الذي هو المكذب المتولي. الخامس: قوله تعالى: * (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير، فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير) * (الملك: 8، 9)، دلت الآية على أن جميع أهل النار مكذب لا يقال هذه الآية خاصة في الكفار، ألا ترى أنه يقول قبله: * (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير، إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور، تكاد تميز من الغيظ) *. وهذا يدل على أنها مخصوصة في بعض الكفار وهم الذين قالوا: * (بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء) * (الملك: 6 - 9)، وليس هذا من قول جميع الكفار لأنا نقول: دلالة ما قبل هذه الآية على الكفار لا تمنع من عموم ما بعدها. أما قوله: إن هذا ليس من قول الكفار قلنا: لا نسلم، فإن اليهود والنصارى كانوا يقولون: ما نزل الله من شيء على محمد، وإذا كان كذلك فقد صدق عليهم أنهم كانوا يقولون ما نزل الله من شيء. السادس: قوله تعالى: * (وهل يجازي إلا الكفور) * (سبأ: 17) وهذا بناء المبالغة فوجب أن يختص بالكفر الأصلي. السابع: أنه تعالى بعدما أخبر أن الناس صنفان: بيض الوجوه وسودهم قال: * (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب) * (آل عمران: 106) فذكر أنهم الكفار. والثامن: أنه تعالى بعدما جعل الناس ثلاثة أصناف، السابقون وأصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، بين أن السابقين وأصحاب الميمنة في الجنة وأصحاب المشأمة في النار، ثم بين أنهم كفار بقوله: * (وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) * (الواقعة: 47). التاسع: إن صاحب الكبيرة لا يخزى وكل من أدخل النار فإنه يخزى فإذن صاحب الكبيرة لا يدخل النار وإنما قلنا إن صاحب الكبيرة