به ما تقدم ذكره. قال القاضي: دلت الآية على أن كتابتهم ليست خلقا لله تعالى، لأنها لو كانت خلقا لله تعالى لكانت إضافتها إليه تعالى بقولهم: * (هو من عند الله) * ذلك حقيقة لأنه تعالى إذا خلقها فيهم فهب أن العبد مكتسب إلا أن انتساب الفعل إلى الخالق أقوى من انتسابه إلى المكتسب فكان اسناد تلك الكتبة إلى الله تعالى أولى من إسنادها إلى العبد، فكان يجب أن يستحقوا الحمد على قولهم فيها. إنها من عند الله ولما لم يكن كذلك علمنا أن تلك الكتبة ليست مخلوقة لله تعالى. والجواب: أن الداعية الموجبة لها من خلق الله تعالى بالدلائل المذكورة فهي أيضا تكون كذلك والله أعلم.
* (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) * اعلم أن هذا هو النوع الثالث من قبائح أقوالهم وأفعالهم وهو جزمهم بأن الله تعالى لا يعذبهم إلا أياما قليلة، وهذا الجزم لا سبيل إليه بالعقل البتة أما على قولنا، فلأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا اعتراض لأحد عليه في فعله، فلا طريق إلى معرفة ذلك إلا بالدليل السمعي، وأما على قول المعتزلة فلأن العقل يدل عندهم على أن المعاصي يستحق بها من الله العقاب الدائم، فلما دل العقل على ذلك احتج في تقدير العقاب مدة ثم في زواله بعدها إلى سمع يبين ذلك، فثبت أن على المذهبين لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالدليل السمعي، وحيث توجد الدلالة السمعية لم يجز الجزم بذلك، وههنا مسألتان:
المسألة الأولى: ذكروا في تفسير الأيام المعدودة وجهين. الأول: أن لفظ الأيام لا تضاف إلا إلى العشرة فما دونها، ولا تضاف إلى ما فوقها. فيقال: أيام خمسة وأيام عشرة ولا يقال أيام أحد عشر إلا أن هذا يشكل بقوله تعالى: * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) * (البقرة: 183، 184) هي أيام الشهر كله، وهي أزيد من العشرة. ثم قال القاضي: إذا ثبت أن الأيام محمولة على العشرة فما دونها فالأشبه أن يقال: إنه الأقل أو الأكثر لأن من يقول ثلاثة يقول أحمله على أقل الحقيقة فله وجه، ومن يقول عشرة يقول أحمله على الأكثر وله وجه، فأما حمله على الواسطة أعني على ما هو أقل من العشرة وأزيد من الثلاثة فلا وجه له، لأنه ليس عدد أولى من عدد اللهم إلا إذا جاءت في تقديرها رواية صحيحة فحينئذ يجب القول بها، وجماعة من المفسرين قدروها بسبعة أيام، قال مجاهد: إن اليهود كانت تقول: الدنيا سبعة آلاف سنة فالله تعالى يعذبهم مكان كل ألف سنة يوما، فكانوا يقولون: إن الله تعالى يعذبنا سبعة أيام. وحكى الأصم عن بعض اليهود أنهم عبدوا العجل سبعة أيام فكانوا يقولون إن الله تعالى يعذبنا سبعة أيام وهذان الوجهان ضعيفان. أما الأول: فلأنه