وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم وأما (الوجه الثاني) وهو التمسك بقوله (وإن الفجار لفي جحيم) فالكلام عليه سيأتي إن الله تعالى في مسألة الوعيد.
وأما (الوجه التاسع) وهو قوله لم يوجد ما يدل على إذن الله عز وجل في الشفاعة لأصحاب الكبائر، فجوابه أن هذا ممنوع والدليل عليه ما أوردناه من الدلائل الدالة على حصول هذه الشفاعة.
وأما (الوجه العاشر) وهو قوله في حق الملائكة (فاغفر للذين تابوا) فجوابه ما بينا أن خصوص آخر هذه الآية لا يقدح في عموم أولها.
وأما الأحاديث فهي دالة على أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يشفع لبعض الناس ولا يشفع في بعض مواطن القيامة، وذلك لا يدل على أنه لا يشفع لأحد البتة من أصحاب الكبائر ولا أنه يمتنع من الشفاعة في جميع المواطن. والذي تحققه أنه تعالى بين أن أحدا من الشافعين لا يشفع إلا بإذن الله فلعل الرسول لم يكن مأذونا في بعض المواضع وبعض الأوقات فلا يشفع في ذلك المكان ولا في ذلك الزمان ثم يصير مأذونا في موضع آخر وفى وقت آخر في الشفاعة فيشفع هناك والله أعلم.
قالت الفلاسفة في تأويل الشفاعة: إن واجب الوجود عام الفيض تام الجود فحيث لا يحصل فإنما لا يحصل لعدم كون القابل مستعدا، ومن الجائز أن لا يكون الشئ مستعدا لقبول الفيض عن واجب الوجود إلا أن يكون مستعدا لقبول ذلك الفيض من شئ قبله عن واجب الوجود، فيكون ذلك الشئ كالمتوسط بين واجب الوجود وبين ذلك الشئ الأول، ومثاله في المحسوس أن الشمس لا تضئ إلا للقابل المقابل وسقف البيت لما لم يكن مقابلا لجرم الشمس لا جرم لم يكن فيه استعداد لقبول النور عن الشمس إلا أنه إذا وضع طست مملوء من الماء الصافي ووقع عليه ضوء الشمس انعكس ذلك الضوء من ذلك الماء إلى السقف فيكون ذلك الماء الصافي متوسطا في وصول النور من قرص الشمس إلى السقف الذي هو غير مقابل للشمس، وأرواح الأنبياء كالوسائط بين واجب الوجود وبين أرواح عوام الخلق في وصول فيض واجب الوجود إلى أرواح العامة، فهذا ما قالوه في الشفاعة تفريعا على أصولهم.
قوله تعالى (* (وإذ نجيناكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم) * اعلم أنه تعالى لما قدم ذكر نعمه على بني إسرائيل إجمالا بين بعد ذلك أقسام تلك النعم على سبيل التفصيل ليكون أبلغ في التذكير وأعظم في الحجة، فكأنه قال: اذكروا نعمتي واذكروا إذ نجيناكم