القيامة " وقال العارفون: الخوف خوفان خوف العقاب وخوف الجلال، والأول: نصيب أهل الظاهر، والثاني: نصيب أهل القلب، والأول: يزول، والثاني: لا يزول. واعلم أن في الآية دلالة على أن كثرة النعم تعظم المعصية، ودلالة على ما تقدم العهد يعظم المخالفة ودلالة على أن الرسول كما كان مبعوثا إلى العرب كان مبعوثا إلى بني إسرائيل. وقوله: * (وإياي فارهبون) * يدل على أن المرء يجب أن لا يخاف أحدا إلا الله تعالى، وكما يجب ذلك في الخوف فكذا في الرجاء والأمل وذلك يدل على أن الكل بقضاء الله وقدره إذ لو كان العبد مستقلا بالفعل لوجب أن يخاف منه كما يخاف من الله تعالى وحينئذ يبطل الحصر الذي دل عليه قوله تعالى: * (وإياي فارهبون) * بل كان يجب أن لا يرهب إلا نفسه، لأن مفاتيح الثواب والعقاب بيده لا بيد الله تعالى فوجب أن لا يخاف إلا نفسه وأن لا يخاف إلا نفسه وأن لا يخاف الله البتة، وفيها دلالة على أنه يجب على المكلف أن يأتي بالطاعات للخوف والرجاء وأن ذلك لا بد منه في صحتها والله أعلم.
* (وءامنوا بمآ أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياى فتقون) * اعلم أن المخاطبين بقوله: * (وآمنوا) * هم بنوا إسرائيل ويدل عليه وجهان. الأول: أنه معطوف على قوله: * (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) * كأنه قيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي وآمنوا بما أنزلت. الثاني: أن قوله تعالى: * (مصدقا لما معكم) * يدل على ذلك.
أما قوله: * (بما أنزلت) * ففيه قولان، الأقوى أنه القرآن وعليه دليلان. أحدهما: أنه وصفه بكونه منزلا وذلك هو القرآن لأنه تعالى قال:
* (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل) * (آل عمران: 3). والثاني: وصفه بكونه مصدقا لما معهم من الكتب وذلك هو القرآن. وقال قتادة: المراد * (آمنوا بما أنزلت) * من كتاب ورسول تجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل. أما قوله: * (مصدقا لما معكم) * ففيه تفسيران: أحدهما: أن في القرآن أن موسى وعيسى حق وأن التوراة والإنجيل حق وأن التوراة أنزلت على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام فكان الإيمان بالقرآن مؤكدا للإيمان بالتوراة والإنجيل فكأنه قيل لهم: إن كنتم تريدون المبالغة في الإيمان بالتوراة والإنجيل فآمنوا بالقرآن فإن الإيمان به يؤكد الإيمان بالتوراة والإنجيل. والثاني: أنه حصلت البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن في التوراة والإنجيل فكأن الإيمان بمحمد وبالقرآن تصديقا للتوراة والإنجيل، وتكذيب محمد والقرآن تكذيبا للتوراة