بيان لمكان الإشراب كقوله: * (وإنما يأكلون في بطونهم نارا) * (النساء: 10). الثاني: كما أن الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض فكذا تلك المحبة كانت مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال.
المسألة الثانية: قوله: * (واشربوا) * يدل على أن فاعلا غيرهم فعل بهم ذلك، ومعلوم أنه لا يقدر عليه سوى الله، أجابت المعتزلة عنه من وجهين: الأول: ما أراد الله أن غيرهم فعل بهم ذلك لكنهم لفرط ولوعهم وإلفهم بعبادته أشربوا قلوبهم حبه فذكر ذلك على ما لم يسم فاعله كما يقال فلان: معجب بنفسه، الثاني: أن المراد من أشرب أي زينة عندهم ودعاهم إليه كالسامري وإبليس وشياطين الإنس والجن. أجاب الأصحاب عن الوجهين بأن كلا الوجهين صرف اللفظ عن ظاهره وذلك لا يجوز المصير إليه إلا لدليل منفصل، ولما أقمنا الدلائل العقلية القطعية على أن محدث كل الأشياء هو الله لم يكن بنا حاجة إلى ترك هذا الظاهر.
أما قوله تعالى: * (بكفرهم) * فالمراد باعتقادهم التشبيه على الله وتجويزهم العبادة لغيره سبحانه وتعالى.
أما قوله: * (قل بئسما يأمركم به إيمانكم) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العجل وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما قال في قصة شعيب: * (أصلاتك تأمرك) * (هود: 87) وكذلك إضافة الإيمان إليهم.
المسألة الثانية: الإيمان عرض ولا يصح منه الأمر والنهي لكن الداعي إلى الفعل قد يشبه بالآمر كقوله تعالى: * (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * (العنكبوت: 45).
أما قوله تعالى: * (إن كنتم مؤمنين) * فالمراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم.
* (قل إن كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) * اعلم أن هذا نوع آخر من قبائحهم وهو ادعاؤهم أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس ويدل عليه وجوه. أحدها: أنه لا يجوز أن يقال على طريق الاستدلال على الخصم إن كان كذا وكذا فافعل كذا إلا والأول مذهبه ليصح الزام الثاني عليه. وثانيها: ما حكى الله عنهم في قوله: * (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) * (البقرة: 111) وفي قوله: * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * (المائدة: 18) وفي قوله: * (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) * (البقرة: 89). وثالثها: اعتقادهم في أنفسهم أنهم هم المحقون لأن النسخ غير جائز في شرعهم، وأن سائر الفرق مبطلون، ورابعها: اعتقادهم أن