أحدها: تقشعر من وعيده، وتلين عند وعده، قاله السدي.
والثاني: تقشعر من الخوف، وتلين من الرجاء.
والثالث: تقشعر الجلود لإعظامه، وتلين عند تلاوته، ذكرهما الماوردي.
وقال بعض أهل المعاني: مفعول الذكر في قوله [تعالى]: (إلى ذكر الله) محذوف، لأنه معلوم، والمعنى: تطمئن قلوبهم إلى ذكر الله الجنة والثواب. قال قتادة: هذا نعت أولياء الله، تقشعر جلودهم وتلين قلوبهم، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع، وهذا من الشيطان. وقد روى أبو حازم، قال: مر ابن عمر برجل ساقط من أهل العراق، فقال: ما شأنه؟ فقالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن يصيبه هذا، قال: إنا لنخشى الله عز وجل، وما نسقط. وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: جئت أبي، فقال لي: أين كنت؟ فقلت:
وجدت قوما، ما رأيت خيرا منهم قط، يذكرون الله عز وجل فيرعد واحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله عز وجل، فقعدت معهم، فقال: لا تقعد معهم بعدها أبدا، قال: فرآني كأني لم يأخذ ذلك في، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا من خشية الله تعالى، أفترى أنهم أخشى لله من أبي بكر وعمر؟ قال: فرأيت ذلك كذلك.
وقال عكرمة: سئلت أسماء بنت أبي بكر: هل كان أحد من السلف يغشى عليه من الخوف؟
قالت: لا، ولكنهم كانوا يبكون. وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر، كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله تعالى، تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم. فقلت لها: إن ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن، خر أحدهم مغشيا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكان جواب يرعد عند الذكر، فقال له إبراهيم النخعي: إن كنت تملكه، فما أبالي أن لا أعتد بك، وإن كنت لا تملكه، فقد خالفت من كان قبلك.
قوله تعالى: (ذلك هدى الله) في المشار إليه قولان:
أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل.
والثاني: أنه ما ينزل بالمؤمنين عند تلاوة القرآن من اقشعرار الجلود عند الوعيد، ولينها عند الوعد، قاله ابن الأنباري.
أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون (24)