قال أبو بكر: قد اتفق السلف عن الصحابة والتابعين على ضمان الرهن لا نعلم بينهم خلافا فيه، إلا أنهم اختلفوا في كيفية ضمانه، اختلفت الرواية عن علي رضي الله عنه فيه، فروى إسرائيل عن عبد الأعلى عن محمد بن علي عن علي قال: (إذا كان أكثر مما رهن فهلك فهو بما فيه لأنه أمين في الفضل، وإذا كان بأقل مما رهنه به فهلك رد الراهن الفضل). وروى عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر مثله، وهو قول إبراهيم النخعي. وروى الشعبي عن الحارث عن علي في الرهن إذا هلك قال: (يترادان الفضل).
وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي قال: (إذا كان فيه فضل فأصابته جائحة فهو بما فيه، وإن لم تصبه جائحة واتهم فإنه يرد الفضل). فروى عن علي هذه الروايات الثلاث، وفي جميعها ضمانه، إلا أنهم اختلفوا عنه في كيفية الضمان على ما وصفنا.
وروي عن ابن عمر أنه قال: (يترادان الفضل). وقال شريح والحسن وطاوس والشعبي وابن شبرمة: (إن الرهن بما فيه). وقال شريح: (وإن كان خاتما من حديد بمائة درهم).
فلما اتفق السلف على ضمانه وكان اختلافهم إنما هو في كيفية الضمان، كان قول القائل (إنه أمانة غير مضمون) خارجا عن قول الجميع، وفي الخروج عن اختلافهم مخالفة لإجماعهم، وذلك أنهم لما اتفقوا على ضمانه فذلك اتفاق منهم على بطلان قول القائل بنفي ضمانه، ولا فرق بين اختلافهم في كيفية ضمانه وبين اتفاقهم على وجه واحد فيه أن يكون قد حصل من اتفاقهم أنه مضمون، فهذا اتفاق قاض بفساد قول من جعله أمانة، وقد تقدم ذكر دلالة الآية على ضمانه.
ومما يدل عليه من جهة السنة حديث عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت قال:
سمعت عطاء يحدث أن رجلا رهن فرسا فنفق في يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرتهن:
(ذهب حقك) وفي لفظ آخر: (لا شئ لك) فقوله للمرتهن (ذهب حقك) إخبار بسقوط دينه، لأن حق المرتهن هو دينه. وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا الحسن بن علي الغنوي وعبد الوارث بن إبراهيم قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي أمية الزارع قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الرهن بما فيه). وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا الحسين بن إسحاق قال: حدثنا المسيب بن واضح قال: حدثنا ابن المبارك عن مصعب بن ثابت قال: حدثنا علقمة بن مرثد عن محارب بن دثار قال:
(قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرهن بما فيه) والمفهوم من ذلك ضمانه بما فيه من الدين، ألا ترى إلى قول شريح (الرهن بما فيه ولو خاتما من حديد) وكذلك قول محارب بن دثار إنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في خاتم رهن بدين فهلك أنه بما فيه؟ وظاهر ذلك يوجب أن يكون بما فيه قل الدين أو كثر، إلا أنه قد قامت الدلالة على أن مراده إذا كان الدين مثل