الأمصار. ولما ثبت بما ذكرنا حظر مراجعة النساء بذكر الجماع في حال الإحرام والتعريض به واللمس وذلك كله من دواعي الجماع، دل ذلك على أن الجماع ودواعيه محظورة على المحرم، وذلك دليل على حظر التطيب لهذا المعنى بعينه ولما ورد فيه من السنة. وأما الفسوق فروي عن ابن عمر قال: (الفسوق السباب). والجدال: المراء.
وقال ابن عباس: (الجدال أن تجادل صاحبك حتى تغيظه، والفسوق المعاصي). وروي عن مجاهد (لا جدال في الحج) قال: (قد أعلم الله تعالى أشهر الحج فليس فيها شك ولا خلاف).
قال أبو بكر: جميع ما ذكر من هذه المعاني عن المتقدمين جائز أن يكون مراد الله تعالى، فيكون المحرم منهيا عن السباب والمماراة في أشهر الحج وفي غير ذلك وعن الفسوق وسائر المعاصي، فتضمنت الآية الأمر بحفظ اللسان والفرج عن كل ما هو محظور من الفسوق والمعاصي، والمعاصي والفسوق وإن كانت محظورة قبل الإحرام فإن الله نص على حظرها في الإحرام تعظيما لحرمة الإحرام، ولأن المعاصي في حال الإحرام أعظم وأكبر عقابا منها في غيرها، كما قال عليه السلام: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن جهل عليه فليقل إني امرؤ صائم). وقد روي أن الفضل بن العباس كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة إلى منى، فكان يلاحظ النساء وينظر إليهن، فجعل النبي عليه السلام يصرف وجهه بيده من خلفه وقال: (إن هذا يوم من ملك سمعه وبصره غفر له) ومعلوم حظر ذلك في غير ذلك اليوم، ولكنه خص اليوم تعظيما لحرمته، فكذلك المعاصي والفسوق والجدال والرفث كل ذلك محظور ومراد بالآية، سواء كان مما حظره الإحرام أو كان محظورا فيه وفي غيره بعموم اللفظ، ويكون تخصيصه إياها بحال الإحرام تعظيما للإحرام وإن كانت محظورة في غيره. وقد روى مسعود عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وهذا موافق لدلالة الآية، وذلك لأن الله تعالى لما نهى عن المعاصي والفسوق في الحج فقد تضمن ذلك الأمر بالتوبة منها، لأن الإصرار على ذلك هو من الفسوق والمعاصي، فأراد الله تعالى أن يحدث الحاج توبة من الفسوق والمعاصي حتى يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: (ولا جدال في الحج قد تضمن النهي عن مماراة صاحبه ورفيقه وإغضابه وحظر الجدال في وقت الحج على ما كان عليه أمر الجاهلية، لأنه قد استقر على وقت واحد وأبطل به النسئ الذي كان أهل الجاهلية عليه، وهو معنى قوله عليه السلام: (ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض) يعني عود الحج إلى الوقت الذي