المؤمنون عن اتخاذهم لأنفسهم بطانة دونهم، هم الذين قد ظهرت لهم بغضاؤهم بألسنتهم على ما وصفهم الله عز وجل به، فعرفهم المؤمنون بالصفة التي نعتهم الله بها، وأنهم هم الذين وصفهم تعالى ذكره بأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون ممن كان له ذمة وعهد من رسول الله (ص) وأصحابه من أهل الكتاب، لأنهم لو كانوا المنافقين لكان الامر فيهم على ما قد بينا، ولو كانوا الكفار ممن قد ناصب المؤمنين الحرب، لم يكن المؤمنون متخذيهم لأنفسهم بطانة من دون المؤمنين مع اختلاف بلادهم وافتراق أمصارهم، ولكنهم الذين كانوا بين أظهر المؤمنين من أهل الكتاب أيام رسول الله (ص)، ممن كان له من رسول الله (ص) عهد وعقد من يهود بني إسرائيل. والبغضاء: مصدر، وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله بن مسعود: قد بدا البغضاء من أفواههم، على وجه التذكير، وإنما جاز ذلك بالتذكير ولفظه لفظ المؤنث، لان المصادر تأنيثها ليس بالتأنيث اللازم، فيجوز تذكير ما خرج منها على لفظ المؤنث وتأنيثه، كما قال عز وجل: * (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) * وكما قال:
* (فقد جاءكم بينة من ربكم) * وفي موضع آخر: * (وأخذت الذين ظلموا الصيحة) * * (وجاءتكم بينة من ربكم) *. وقال: * (من أفواههم) * وإنما بدا ما بدا من البغضاء بألسنتهم، لان المعني به الكلام الذي ظهر للمؤمنين منهم من أفواههم، فقال: قد بدت البغضاء من أفواههم بألسنتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وما تخفي صدورهم أكبر) *.
يعني تعالى ذكره بذلك: والذي تخفي صدورهم، يعني صدور هؤلاء الذين نهاهم عن اتخاذهم بطانة فتخفيه عنكم أيها المؤمنون أكبر، يقول: أكبر مما قد بدا لكم بألسنتهم من أفواههم من البغضاء وأعظم. كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (وما تخفي صدورهم أكبر) * يقول: وما تخفي صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم.
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: * (وما تخفي صدورهم أكبر) * يقول: ما تكن صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم.