القول في تأويل قوله تعالى: * (قد بدت البغضاء من أفواههم) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: قد بدت بغضاء هؤلاء الذين نهيتكم أيها المؤمنون أن تتخذوهم بطانة من دونكم لكم بأفواههم، يعني بألسنتهم. والذي بدا لهم منهم بألسنتهم إقامتهم على كفرهم، وعداوتهم من خالف ما هم عليه مقيمون من الضلالة، فذلك من أوكد الأسباب من معاداتهم أهل الايمان، لان ذلك عداوة على الدين، والعداوة على الدين، العداوة التي لا زوال لها إلا بانتقال أحد المتعاديين إلى ملة الآخر منهما، وذلك انتقال من هدى إلا ضلالة كانت عند المنتقل إليها ضلالة قبل ذلك، فكان في إبدائهم ذلك للمؤمنين ومقامهم عليه أبين الدلالة لأهل الايمان على ما هم عليه من البغضاء والعداوة.
وقد قال بعضهم: معنى قوله: * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * قد بدت بغضاؤهم لأهل الايمان إلى أوليائهم من المنافقين وأهل الكفر بإطلاع بعضهم بعضا على ذلك.
وزعم قائلو هذه المقالة أن الذين عنوا بهذه الآية: أهل النفاق، دون من كان مصرحا بالكفر من اليهود وأهل الشرك. ذكر من قال ذلك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * يقول: قد بدت البغضاء من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفار، من غشهم للاسلام وأهله وبغضهم إياهم.
حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * يقول: من أفواه المنافقين.
وهذا القول الذي ذكرناه عن قتادة قول لا معنى له، وذلك أن الله تعالى ذكره إنما نهى المؤمنين أن يتخذوا بطانة ممن قد عرفوه بالغش للاسلام وأهله، والبغضاء إما بأدلة ظاهرة دالة على أن ذلك من صفتهم، وإما بإظهار الموصوفين بذلك العداوة والشنآن والمناصبة لهم. فأما من لم يثبتوه معرفة أنه الذي نهاهم الله عز وجل عن مخالته ومباطنته، فغير جائز أن يكونوا نهوا عن مخالته ومصادقته إلا بعد تعريفهم إياهم، إما بأعيانهم وأسمائهم، وإما بصفات قد عرفوهم بها. وإذ كان ذلك كذلك، وكان إبداء المنافقين بألسنتهم ما في قلوبهم من بغضاء المؤمنين إلى إخوانهم من الكفار، غير مدرك به المؤمنون معرفة ما هم عليه لهم مع إظهارهم الايمان بألسنتهم لهم والتودد إليهم، كان بينا أن الذي نهى الله