وقال: أراد: أقبلت بحبليها. وبقول الآخر:
حنتني حانيات الدهر حتى * كأني خاتل أحنو لصيد فأوجب إعمال فعل محذوف وإظهار صلته وهو متروك، وذلك في مذاهب العربية ضعيف، ومن كلام العرب بعيد. وأما ما استشهد به لقوله من الأبيات، فغير دال على صحة دعواه، لان في قول الشاعر: رأتني بحبليها، دلالة بينة في أنها رأته بالحبل ممسكا، ففي اخباره عنها أنها رأته بحبليها إخبار منه أنها رأته ممسكا بالحبلين، فكان فيما ظهر من الكلام مستغنى عن ذكر الامساك، وكانت الباء صلة لقوله: رأتني، كما في قول القائل: أنا بالله مكتف بنفسه، ومعرفة السامع معناه أن تكون الباء محتاجة إلى كلام يكون لها جالبا غير الذي ظهر، وأن المعنى أنا بالله مستعين.
وقال بعض نحويي البصرة: قوله: * (إلا بحبل من الله) * استثناء خارج من أول الكلام، قال: وليس ذلك بأشد من قوله: * (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) *.
وقال آخرون من نحويي الكوف: هو استثناء متصل. والمعنى: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا: أي بكل مكان، إلا بموضع حبل من الله، كما تقول: ضربت عليهم الذلة في الأمكنة إلا في هذا المكان، وهذا أيضا طلب الحق، فأخطأ المفصل، وذلك أنه زعم أنه استثناء متصل، ولو كان متصلا كما زعم لوجب أن يكون القوم إذا ثقفوا بحبل من الله وحبل من الناس غير مضروبة عليهم المسكنة، وليس ذلك صفة اليهود لأنهم أينما ثقفوا بحبل من الله وحبل من الناس، أو بغير حبل من الله عز وجل، وغير حبل من الناس، فالذلة مضروبة