وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تؤتوا السفهاء أموالهم، ولكنه أضيف إلى الولاة لأنهم قوامها ومدبروها. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: ثنا ابن المبارك، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير في قوله: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) *.
وقد يدخل في قوله: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * أموال المنهيين عن أن يؤتوهم ذلك، وأموال السفهاء، لان قوله: * (أموالكم) * غير مخصوص منها بعض الأموال دون بعض، ولا تمنع العرب أن تخاطب قوما خطابا، فيخرج الكلام بعضه خبر عنهم وبعضه عن غيب، وذلك نحو أن يقولوا: أكلتم يا فلان أموالكم بالباطل فيخاطب الواحد خطاب الجمع بمعنى: أنك وأصحابك، أو وقومك أكلتم أموالكم، فكذلك قوله: * (ولا تؤتوا السفهاء) * معناه: لا تؤتوا أيها الناس سفهاءكم أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم، فتضيعوها. وإذ كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد عم بالنهي عن إيتاء السفهاء الأموال كلها، ولم يخصص منها شيئا دون شئ، كان بينا بذلك أن معنى قوله: * (التي جعل الله لكم قياما) * إنما هو التي جعل الله لكم ولهم قياما، ولكن السفهاء دخل ذكرهم في ذكر المخاطبين بقوله: لكم.
وأما قوله: * (التي جعل الله لكم قياما) * فإن قياما وقيما وقواما في معنى واحد، وإنما القيام أصله القوام، غير أن القاف التي قبل الواو لما كانت مكسورة، جعلت الواو ياء لكسرة ما قبلها، كما يقال: صمت صياما، وحلت حيالا، ويقال منه: فلان قوام أهل بيته، وقيام أهل بيته.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأ بعضهم: * (التي جعل الله لكم قيما) * بكسر القاف وفتح الياء بغير ألف. وقرأه آخرون: * (قياما) * بألف. قال محمد: والقراءة التي نختارها: * (قياما) * بالألف، لأنها القراءة المعروفة في قراءة أمصار الاسلام، وإن كانت الأخرى غير خطأ ولا فاسد. وإنما اخترنا ما اخترنا من ذلك، لان القراءات إذا اختلفت في الألفاظ واتفقت في المعاني، فأعجبها إلينا ما كان أظهر وأشهر في قراءة أمصار الاسلام.