وقيل: فاستجاب لهم، بمعنى: فأجابهم، كما قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى * فلم يستجبه عند ذاك مجيب بمعنى: فلم يجبه عند ذاك مجيب.
وأدخلت من في قوله: * (من ذكر أو أنثى) * على الترجمة والتفسير عن قوله منكم، بمعنى: لا أضيع عمل عامل منكم من الذكور والإناث وليست من هذه بالتي يجوز اسقاطها وحذفها من الكلام في الجحد، لأنها دخلت بمعنى لا يصلح الكلام إلا به.
وزعم بعض نحويي البصرة أنها دخلت في هذا الموضع، كما تدخل في قولهم: قد كان من حديث قال: ومن ههنا أحسن، لان النهي قد دخل في قوله: لا أضيع. وأنكر ذلك بعض نحويي الكوفة وقال: لا تدخل من وتخرج إلا في موضع الجحد، وقال: قوله:
* (لا أضيع عمل عامل منكم) * لم يدركه الجحد، لأنك لا تقول: لا أضرب غلام رجل في الدار ولا في البيت فيدخل، ولا لأنه لم ينله الجحد، ولكن من مفسرة.
وأما قوله: * (بعضكم من بعض) * فإنه يعني: بعضكم أيها المؤمنون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، من بعض، في النصرة والمسألة والدين، وحكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل على حكم أحدكم في أني لا أضيع عمل ذكر منكم ولا أنثى.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا ولأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) *.
يعني بقوله جل ثناؤه: فالذين هاجروا قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم في الله، إلى إخوانهم من أهل الايمان بالله، والتصديق برسوله، وأخرجوا من ديارهم، وهم المهاجرون الذين أخرجهم مشركو قريش من ديارهم بمكة، وأوذوا في سبيلي، يعني: وأوذوا في طاعتهم ربهم، وعبادتهم إياه، مخلصين له الدين، وذلك هو سبيل الله التي آذى فيها المشركون من أهل مكة المؤمنين برسول الله (ص) من أهلها، وقتلوا، يعني: وقتلوا في سبيل الله وقاتلوا فيها، لأكفرن عنهم سيئاتهم، يعني: لأمحونها عنهم، ولأتفضلن عليهم بعفوي