لذات الدنيا وشهواتها، وما فيها من زينتها وزخارفها، إلا متاع الغرور، يقول: إلا متعة يمتعكموها الغرور والخداع المضمحل، الذي لا حقيقة له عند الامتحان، ولا صحة له عند الاختبار، فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره، يقول تعالى ذكره: لا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها، فإنما أنتم منها في غرور تمتعون، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون. وقد روي في تأويل ذلك ما:
حدثني به المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله: * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * قال: كزاد الراعي، تزوده الكف من التمر، أو الشئ من الدقيق، أو الشئ يشرب عليه اللبن.
فكأن ابن سابط ذهب في تأويله هذا إلى أن معنى الآية: وما الحياة الدنيا إلا متاع قليل، لا يبلغ من تمتعه ولا يكفيه لسفره.
وهذا التأويل وإن كان وجها من وجوه التأويل، فإن الصحيح من القول فيه هو ما قلنا، لان الغرور إنما هو الخداع في كلام العرب، وإذ كان كذلك فلا وجه لصرفه إلى معنى القلة، لان الشئ قد يكون قليلا وصاحبه منه في غير خداع ولا غرور، وأما الذي هو في غرور فلا القليل يصح له ولا الكثير مما هو منه في غرور. والغرور مصدر من قول القائل: غرني فلان، فهو يغرني غرورا بضم الغين، وأما إذا فتحت الغين من الغرور فهو صفة للشيطان الغرور الذي يغر ابن آدم حتى يدخله من معصية الله فيما يستوجب به عقوبته.
وقد:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبدة وعبد الرحيم، قالا: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرأوا إن شئتم * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * القول في تأويل قوله تعالى:
* (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا