البصرة: إنما أراد بقوله: ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم لا تحسبن البخل هو خيرا لهم، فألقى الاسم الذي أوقع عليه الحسبان به وهو البخل، لأنه قد ذكر الحسبان، وذكر ما آتاهم الله من فضله، فأضمرهما إذ ذكرهما، قال: وقد جاء من الحذف ما هو أشد من هذا، قال: * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) * ولم يقل: ومن أنفق من بعد الفتح، لأنه لما قال: * (أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد) * كان فيه دليل على أنه قد عناهم.
وقال بعض من أنكر قول من ذكرنا قوله من أهل البصرة، أن من في قوله: * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح) * في معنى جمع. ومعنى الكلام: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح في منازلهم وحالاتهم، فكيف من أنفق من بعد الفتح، فالأول مكتف.
وقال في قوله: * (لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم) * محذوف، غير أنه لم يحذف إلا وفي الكلام ما قام مقام المحذوف، لان هو عائد البخل، وخيرا لهم عائد الأسماء، فقد دل هذان العائدان على أن قبلهما اسمين، واكتفى بقوله: يبخلون، من البخل. قال: وهذا إذا قرئ بالتاء، فالبخل قبل الذين، وإذا قرئ بالياء، فالبخل بعد الذين، وقد اكتفى بالذين يبخلون من البخل، كما قال الشاعر:
إذا نهي السفيه جرى إليه * وخالف والسفيه إلى خلاف كأنه قال: جرى إلى السفه، فاكتفى عن السفه بالسفيه، كذلك اكتفى بالذين يبخلون من البخل.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي، قراءة من قرأ: * (ولا تحسبن الذين يبخلون) * بالتاء بتأويل: ولا تحسبن أنت يا محمد بخل الذين يبخلون بما أتاهم الله من