الألف من أنما، إنما أراد تكرير تحسبن على أنما، كأنه قصد إلى أن معنى الكلام: ولا تحسبن يا محمد أنت الذين كفروا، لا تحسبن أنما نملي لهم خير لأنفسهم، كما قال جل ثناؤه: * (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) * بتأويل: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة؟ وذلك وإن كان وجها جائزا في العربية، فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ: * (ولا يحسبن الذين كفروا) * بالياء من يحسبن، وبفتح الألف من أنما، على معنى الحسبان للذين كفروا دون غيرهم، ثم يعمل في أنما نصبا، لان يحسبن حينئذ لم يشغل بشئ عمل فيه، وهي تطلب منصوبين. وإنما اخترنا ذلك لاجماع القراء على فتح الألف من أنما الأولى، فدل ذلك على أن القراءة الصحيحة في يحسبن بالياء لما وصفنا، وأما ألف إنما الثانية فالكسر على الابتداء بالاجماع من القراء عليه.
وتأويل قوله: * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) *: إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثما، يقول: يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر * (ولهم عذاب مهين) * يقول: ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة.
وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود، قال: قال عبد الله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها، وقرأ: * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * وقرأ: * (نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار) *. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان