فضله، هو خيرا لهم، ثم ترك ذكر البخل، إذ كان في قوله هو خيرا لهم، دلالة على أنه مراد في الكلام، إذ كان قد تقدمه قوله: * (الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) *.
وإنما قلنا قراءة ذلك بالتاء أولى بالصواب من قراءته بالياء، لان المحسبة من شأنها طلب اسم وخبر، فإذا قرئ قوله: * (ولا يحسبن الذين يبخلون) * بالياء لم يكن للمحسبة اسم يكون قوله: * (هو خيرا لهم) * خبرا عنه، وإذا قرئ ذلك بالتاء كان قوله: * (الذين يبخلون) * اسما له، قد أدى عن معنى البخل الذي هو اسم المحسبة المتروك، وكان قوله:
* (هو خيرا لهم) * خبرا لها، فكان جاريا مجرى المعروف من كلام العرب الفصيح. فلذلك اخترنا القراءة بالتاء في ذلك على ما بيناه، وإن كانت القراءة بالياء غير خطأ، ولكنه ليس بالأفصح ولا الأشهر من كلام العرب.
وأما تأويل الآية الذي هو تأويلها على ما اخترنا من القراءة في ذلك: ولا تحسبن يا محمد، بخل الذين يبخلون بما أعطاهم الله في الدنيا من الأموال، فلا يخرجون منه حق الله الذي فرضه عليهم فيه من الزكوات هو خيرا لهم عند الله يوم القيامة، بل هو شر لهم عنده في الآخرة. كما:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم: هم الذين آتاهم الله من فضله، فبخلوا أن ينفقوها في سبيل الله، ولم يؤدوا زكاتها.
وقال آخرون: بل عنى بذلك اليهود الذين بخلوا أن يبينوا للناس ما أنزل الله في التوراة من أمر محمد (ص) ونعته. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله... إلى * (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) * يعني بذلك: أهل الكتاب أنهم بخلوا بالكتاب أن يبينوه للناس.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله قال: هم يهود، إلى قوله: * (والكتاب المنير) *.
وأولى التأويلين بتأويل هذه الآية التأويل الأول وهو أنه معني بالبخل في هذا