وقال آخرون: معنى ذلك: سيكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به في الدنيا من أموالهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) * قال: سيكلفون أن يأتوا بما بخلوا به، إلى قوله: * (والكتاب المنير) *.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: * (سيطوقون) * سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة.
وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية التأويل الذي قلناه في ذلك في مبدأ قوله:
* (سيطوقون ما بخلوا به) * للاخبار التي ذكرنا في ذلك عن رسول الله (ص)، ولا أحد أعلم بما عنى الله تبارك وتعالى بتنزيله منه عليه الصلاة والسلام.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: أنه الحي الذي لا يموت، والباقي بعد فناء جميع خلقه.
فإن قال قائل: فما معنى قوله: * (له ميراث السماوات والأرض) * والميراث المعروف: هو ما انتقل من ملك مالك إلى وارثه بموته ولله الدنيا قبل فناء خلقه وبعده؟
قيل: إن معنى ذلك ما وصفنا من وصفه نفسه بالبقاء، وإعلام خلقه أنه كتب عليهم الفناء.
وذلك أن ملك المالك إنما يصير ميراثا بعد وفاته، فإنما قال جل ثناؤه: * (ولله ميراث السماوات والأرض) * إعلاما بذلك منه عباده أن أملاك جميع خلقه منتقلة عنهم بموتهم، وأنه لا أحد إلا وهو فان سواه، فإنه الذي إذا هلك جميع خلقه، فزالت أملاكهم عنهم لم يبق أحد يكون له ما كانوا يملكونه غيره.
وإنما معنى الآية: لا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، بعد ما يهلكون، وتزول عنهم أملاكهم في الحين الذي لا يملكون شيئا، وصار لله ميراثه وميراث غيره من خلقه. ثم أخبر تعالى ذكره أنه بما يعمل هؤلاء الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضل، وغيرهم من سائر خلقه، ذو خبرة وعلم، محيط بذلك كله، حتى يجازي كلا منهم على قدر استحقاقه، المحسن بالاحسان، والمسئ على ما يرى تعالى ذكره. القول في تأويل قوله تعالى: