فتأويل الكلام: فبرحمة الله يا محمد ورأفته بك، وبمن آمن بك من أصحابك، لنت لهم لتباعك وأصحابك فسهلت لهم خلائقك، وحسنت لهم أخلاقك، حتى احتملت أذى من نالك منهم أذاه، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمه، وأغضبت عن كثير ممن لو جفوت به، وأغلظت عليه، لتركك ففارقك، ولم يتبعك، ولا ما بعثت به من الرحمة، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم، فبرحمة من الله لنت لهم. كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: * (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) *: إي والله، لطهره الله من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبا رحيما بالمؤمنين رؤوفا. وذكر لنا أن نعت محمد (ص) في التوراة: ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.
حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، بنحوه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: * (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) * قال: ذكر لينه لهم، وصبره عليهم لضعفهم، وقلة صبرهم على الغلظة لو كانت منه في كل ما خالفوا فيه مما افترض عليهم من طاعة نبيهم.
وأما قوله: * (لانفضوا من حولك) * فإنه يعني: لتفرقوا عنك. كما:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال:
قال ابن عباس: قوله: * (لانفضوا من حولك) * قال: انصرفوا عنك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: * (لا نفضوا من حولك) * أي لتركوك.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) *.
يعني تعالى ذكره بقوله: * (فاعف عنهم) *: فتجاوز يا محمد عن تباعك وأصحابك من المؤمنين بك، وبما جئت به من عندي، ما نالك من أذاهم، ومكروه في نفسك. * (واستغفر لهم) * وادع ربك لهم بالمغفرة لما أتوا من جرم، واستحقوا عليه عقوبة منه. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: * (فاعف عنهم) *: أي فتجاوز عنهم، * (واستغفر لهم) * ذنوب من قارف من أهل الايمان منهم.