ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيه (ص) أن يشاورهم، وما المعنى الذي أمره أن يشاورهم فيه؟ فقال بعضهم: أمر الله نبيه (ص) بقوله:
* (وشاورهم في الامر) * بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب وعند لقاء العدو، تطييبا منه بذلك أنفسهم، وتألفا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان الله عز وجل قد أغناه بتدبيره له أموره وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) * أمر الله عز وجل نبيه (ص) أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا، وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على أرشده.
حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:
* (وشاورهم في الامر) * قال: أمر الله نبيه (ص) أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه الوحي من السماء لأنه أطيب لأنفسهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: * (وشاورهم في الامر) *: أي لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم وإن كنت عنهم غنيا، تؤلفهم بذلك على دينهم.
وقال آخرون: بل أمره بذلك في ذلك، وإن كان له الرأي وأصوب الأمور في التدبير، لما علم في المشورة تعالى ذكره من الفضل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم، قوله: * (وشاورهم في الامر) * قال: ما أمر الله عز وجل نبيه (ص) بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن إياس بن دغفل، عن الحسن: ما شاور قوم قط، إلا هدوا لأرشد أمورهم.
وقال آخرون: إنما أمره الله بمشاورة أصحابه فيما أمره بمشاورتهم فيه، مع إغنائه بتقويمه إياه، وتدبيره أسبابه عن آرائهم، ليتبعه المؤمنون من بعده، فيما حزبهم من أمر دينهم، ويستنوا بسنته في ذلك، ويحتذوا المثال الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورته في أموره مع المنزلة التي هو بها من الله أصحابه وتباعه في الامر، ينزل بهم من أمر دينهم