وقد جاء هذا المضمون في الآية (57) - (59) من سورة الشعراء، ونقرأ في آخرها: وأورثناها بني إسرائيل.
من هذه الآيات نخرج بأن بني إسرائيل قد بقوا فترة في مصر قبل الهجرة إلى الشام، وتنعموا ببركات تلك الأرض المعطاء.
ثم يضيف القرآن الكريم: ورزقناهم من الطيبات ولا مانع بالطبع من أن تكون أرض مصر هي المقصودة، وكذلك أراضي الشام وفلسطين. إلا أن هؤلاء لم يعرفوا قدر هذه النعمة فما اختلفوا حتى جاءهم العلم وبعد مشاهدة كل تلك المعجزات التي جاء بها موسى، وأدلة صدق دعوته، إلا أن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون وإذا لم يتذوقوا طعم عقاب الاختلاف اليوم، فسيذوقونه غدا.
وقد احتمل - أيضا - في تفسير هذه الآية، أن يكن المراد من الاختلاف هو الاختلاف بين بني إسرائيل واليهود المعاصرين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قبول دعوته، أي إن هؤلاء رغم معرفتهم صدق دعوته حسب بشارات وعلامات كتبهم السماوية، فإنهم اختلفوا، فآمن بعضهم، وامتنع القسم الأكبر عن قبول دعوته، وإن الله سبحانه سيقضي بين هؤلاء يوم القيامة.
إلا أن الاحتمال الأول أنسب لظاهر الآية.
كان هذا الحديث عن قسم من ماضي بني إسرائيل الملئ بالعبر، والذي بين ضمن آيات في هذه السورة، وما أشبه حال أولئك بمسلمي اليوم، فإن الله قد نصر المسلمين بفضله مرات كثيرة. وقهر أعداءهم الأقوياء بصورة إعجازية، ونصر بفضله ورحمته هذه الأمة المستضعفة على أولئك المتجبرين، إلا أنهم وللأسف الشديد، بدل أن يجعلوا هذا النصر وسيلة لنشر دين الإسلام في جميع أرجاء العالم، فإنهم قد اتخذوه ذريعة للتفرقة وإيجاد النفاق والاختلاف بحيث عرضوا كل انتصاراتهم للخطر! اللهم نجنا من كفران النعمة هذا.
* * *