مرت عشرة أيام على هذه الواقعة، وكان الهواء حارا محرقا، فحضر يوما عند زوجتيه، وكن قد هيأن خيمته، وأحضرن الطعام اللذيذ والماء البارد، فتذكر فجأة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغاص في تفكير عميق، وقال في نفسه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وضمن له آخرته، قد حمل سلاحه على عاتقه وسار في الصحاري المحرقة، وتحمل مشقة هذا السفر، أما أبو خيثمة - يعني نفسه - فهو في ظل بارد، يتمتع بأنواع الأطعمة، والنساء الجميلات!! إن هذا ليس من الإنصاف.
فالتفت إلى زوجاته وقال: أقسم بالله أن لا أكلم إحداكن كلمة، ولا أستظل بهذه الخيمة حتى ألتحق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). قال ذلك وحمل زاده وجرابه وركب بعيره وسار، وجهدت زوجتاه أن يكلمنه فلم يعبأ بهما ولم ينبس بنبت شفة، وواصل سيره حتى اقترب من تبوك.
فقال المسلمون بعضهم لبعض: من هذا الراكب على الطريق؟، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" كن أبا خيثمة " فلما اقترب وعرفه الناس، قالوا: نعم، هو أبو خيثمة، فأناخ راحلته وسلم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحدثه بما جرى له، فرحب به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودعا له.
وبذلك فإنه كان من جملة الذين مال قلبهم إلى الباطل، إلا أن الله سبحانه وتعالى لما رأى استعداده الروحي أرجعه إلى الحق وثبت قدمه.
* * * وقد نقل سبب آخر لنزول الآية الثانية، خلاصته:
إن ثلاثة من المسلمين وهم: " كعب بن مالك " و " مرارة بن ربيع " و " وهلال بن أمية "، امتنعوا من المسير مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاشتراك في غزوة تبوك، إلا أن ذلك ليس لكونهم جزءا من المنافقين، بل لكسلهم وتثاقلهم، فلم يمض زمان حتى ندموا.
فلما رجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غزوة تبوك حضروا عنده وطلبوا منه العفو عن