أولا: المعروف والمشهور بين المفسرين والمحدثين أن سورة براءة نزلت في السنة التاسعة للهجرة، بل يعتقد البعض أنها آخر سورة نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حين أن المؤرخين ذكروا أن وفاة أبي طالب كانت في مكة، وقبل هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولهذا نرى التخبط والتناقض الصريح الذي وقع فيه بعض المتعصبين كصاحب تفسير المنار، فإنهم قالوا تارة: إن هذه الآية نزلت مرتين! مرة في مكة، ومرة في المدينة في السنة التاسعة للهجرة وظنوا أنهم لما ادعوا هذا الدليل رفعوا التناقض الذي سقطوا فيه.
وقالوا تارة أخرى: إن من الممكن أن تكون هذه الآية نزلت حين وفاة أبي طالب، ثم أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوضعها في سورة التوبة. إلا أن هذا الادعاء كسابقه السابق عار من الدليل.
ألم يكن من الأجدر بهم بدل أن يتخطبوا في هذه التوجيهات التي لا أساس لها، أن يترددوا ويشككوا في صحة الرواية السابقة؟!
ثانيا: لا شك في أن الله سبحانه وتعالى قد نهى المسلمين في آيات من القرآن عن محبة المشركين قبل موت أبي طالب، ونحن نعلم أن الاستغفار من أظهر مصاديق إبراز المحبة والصداقة، فكيف يمكن والحال هذه أن يرحل أبو طالب من الدنيا ويقسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه سيستغفر له حتى ينهاه الله؟!
العجيب أن الفخر الرازي، الذي عرف بتعصبه في أمثال هذه المسائل، لما لم يستطع إنكار أن هذه الآية قد نزلت - كبقية سورة التوبة - في أواخر عمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عمد إلى توجيه محير وعجيب، وهو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استمر بعد وفاة أبي طالب في الاستغفار له حتى نزلت هذه الآية ونهته عن الاستغفار! ثم يقول: ما المانع من أن يكون هذا الأمر - أي الاستغفار - مجازا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين إلى ذلك الوقت؟!