الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ونداؤه في جميع الدول المجاورة للجزيرة العربية، ولم يكن أحد يعير للحجاز أهمية لغاية ذلك اليوم، فلما بزغ فجر الإسلام، وظهرت قوة جيش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وحد الحجاز تحت راية واحدة، خاف هؤلاء من عاقبة الأمر.
إن دولة الروم الشرقية المتاخمة للحجاز، كانت تحتمل أن تكون من أوائل ضحايا تقدم الإسلام السريع، لذلك فقد جهزت جيشا قوامه أربعون ألف مقاتل، وكان مجهزا بالأسلحة الكافية التي كانت تمتلكها قوة عظمي كإمبراطورية الروم، واستقر الجيش في حدود الحجاز، فوصل الخبر إلى مسامع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق المسافرين، فأراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلقن الروم وباقي جيرانه درسا يكون لهم عبرة.
فلم يتأخر عن إصدار أمره بالتهيؤ والاستعداد للجهاد، وبعث الرسل إلى المناطق الأخرى يبلغون المسلمين بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يمض زمن حتى اجتمع لديه ثلاثون ألفا لقتال الروميين، وكان من بينهم عشرة آلاف راكب وعشرون ألف راجل.
كان الهواء شديد الحر، وقد فرغت المخازن من المواد الغذائية، والمحصولات الزراعية لتلك السنة لم تحصد وتجمع بعد، فكانت الحركة في مثل هذه الأوضاع بالنسبة للمسلمين صعبة جدا، إلا أن أمر الله ورسوله يقضي بالمسير في ظل أصعب الظروف وطي الصحاري الواسعة والمليئة بالمخاطر بين المدينة وتبوك.
إن هذا الجيش نتيجة للمشاكل الكثيرة التي واجهها من الناحية الاقتصادية، والمسير الطويل، والرياح السموم المحرقة، وعواصف الرمال الكاسحة، وعدم امتلاك الوسائل الكافية للنقل، قد عرف ب (جيش العسرة)، ولكنه تحمل جميع هذه المشاكل، ووصل إلى أرض تبوك في غرة شعبان من السنة التاسعة للهجرة، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خلف عليا (عليه السلام) مكانه، وهي الغزوة الوحيدة التي لم يشارك فيها أمير المؤمنين (عليه السلام).
إن قيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإقامة علي (عليه السلام) مكانه كان عملا ضروريا وفي محله، فإنه