وتعذروا بأعذار واهية كبيت العنكبوت، وفرحوا بالسلامة والجلوس في البيت بدل المخاطرة بأنفسهم والاشتراك في الحرب رغم أنها مخالفة لأوامر الله ورسوله: فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وبدل أن يضعوا كل وجودهم وإمكاناتهم في سبيل الله لينالوا افتخار الجهاد وعنوان المجاهدين، فإنهم امتنعوا وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
إلا أن هؤلاء النفر لم يكتفوا بتخلفهم وتركهم لهذا الواجب المهم، بل إنهم سعوا في تخذيل الناس عن الجهاد بوساوسهم الشيطانية ومحاولة إخماد جذوة الحماسة الملتهبة في صدور المسلمين وتشبث المنافقون بكل عذر يمكن أن يحقق الهدف حتى ولو كان العذر الحر!! وقالوا لا تنفروا في الحر. وفي الحقيقة إن هؤلاء كانوا يطمعون في أضعاف إرادة المسلمين، ومن جهة أخرى كانوا يحاولون سحب أكبر عدد ممكن إلى مستنقع رذيلتهم، حتى لا ينفردوا بالجرم.
ثم تتغير وجهة الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيأمره الله سبحانه وتعالى أن يجيبهم بلهجة شديدة وأسلوب قاطع: قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون.
لكنهم للأسف لضعف إيمانهم، وعدم الإدراك الكافي لا يعلمون آية نار تنتظرهم، فشرارة واحدة من تلك النار أشد حرارة من جميع نيران الدنيا وأشد حرقة وألما.
وتشير الآية الثانية إلى أن هؤلاء قد ظنوا بأنهم قد حققوا نصرا بتخلفهم وتخذيلهم المسلمين وصرف أنظارهم عن مسألة الجهاد، وضحكوا لذلك وقهقهوا بملء ء أفواههم، وهذا هو حال المنافقين في كل عصر وزمن، إلا أن القرآن حذرهم من مغبة أعمالهم فقال: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا.
نعم، ليبكوا على مستقبلهم المظلم ليبكوا على العذاب الأليم الذي ينتظرهم ليبكوا على أنهم أعلقوا كل أبواب العودة بوجوههم، وأخيرا ليبكوا على ما أنفقوا من قوتهم وقدراتهم وعمرهم الثمين، واشتروا به الخزي والفضيحة وسوء العاقبة