أعمالهم المعاكسة تماما لعاقبة أولئك. فهي تقول: لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم فكانت عاقبتهم أن يتمتعوا بكل الخيرات والسعادة واللذائذ المادية والمعنوية في الدنيا والآخرة وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون.
كلمة (الخيرات) صيغة جمع محلى بالألف واللام، ومن ذلك يستفاد عموميتها، فهي تعبير جامع لكل توفيق وخير ونصر وموهبة، وهي تشمل المادية منها والمعنوية.
كما أن تعبير هاتين الجملتين - حسب القواعد التي قررت في المعاني والبيان - يدل على الحصر، أي أن هذا التعبير يدل على أن (المخلصين) وحدهم يمثلون هذا الجانب المقابل، ويدل على أن هؤلاء وحدهم الذين يستحقون كل خير وسعادة، هؤلاء الذين يجاهدون بكل وجودهم وبكل ما يمتلكون.
ويستفاد بوضوح من هذه الآية أن " الإيمان " و " الجهاد " إذا اتحدا في شخص، فسيصحبهما كل خير وبركة، ولا سبيل إلى الفلاح والإخلاص، أو إلى شئ من الخيرات والبركات المادية والمعنوية إلا في ظل هذين العاملين.
وهناك نقطة أخرى تستحق التنبيه لها، وهي أننا نستفيد من خلال مقارنة صفات هاتين المجموعتين أن المنافقين - لفقدانهم الإيمان، وتلوثهم المضاعف بالمعاصي والذنوب - أفراد جاهلون، لذلك فهم محرومون من (علو الهمة) التي هي وليدة الفهم والشعور والوعي، فهم يرضون أن يكونوا مع القاعدين من المرضى والصبيان، ويأبون الحضور في سوح الجهاد رغم افتخاراته وامتيازاته.
أما في المقابل، فإن المؤمنين قد اتضحت لهم الأمور وأدركوا عواقبها فعلت همتهم بحيث رأوا أن الجهاد هو الطريق الوحيد للانتصار على المشاكل التي تعترضهم، فسعوا إليه بكل وجودهم وقدراتهم.
إن هذا الدرس الكبير هو الذي علمنا القرآن إياه في كثير من آياته، ومع ذلك