واختلف في الاستثناء إلى ماذا يرجع: فقال قوم يرجع إلى جميع ما تقدم ذكره من قوله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ما أكل السبع " الا مالا يقبل الذكاة من لحم الخنزير والدم، وهو الأقوى، وهو المروي عن علي عليه السلام وابن عباس، قال وهو أن تدركه يتحرك رجله أو ذنبه أو تطرف عينه، وهو المروي عنهما عليهما السلام.
وقال آخرون: هو استثناء من التحريم لأنه من المحرمات، لان الميتة لا ذكاة لها ولا الخنزير. قالوا: والمعنى حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ما ذكر الا ما ذكيتم مما أحله الله تعالى له بالتذكية فإنه حلال لكم.
وسئل مالك عن الشاة يخرق جوفها السبع حتى يخرج أمعاؤها. فقال:
لا أرى أن تذكى ولا تؤكل، أي شئ يذكى منها.
وقال كثير من الفقهاء: انه يراعى أن يلحق وفيه حياة مستقرة فيذكى فيجوز أن يؤكل، فأما ما يعلم أنه لا حياة فيه مستقرة فلا يجوز بحال.
(فصل) فان قيل: فما وجه تكرير قوله تعالى: " وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة " وجميع ما عدد تحريمه في هذه الآية يعمه قوله تعالى " حرمت عليكم الميتة " وان اختلف أسباب موته من خنق أو ترد أو نطح أو اهلال لغير الله أو أكيل سبع، وانما يكون كذلك - يعني قول من يقول إنها وان كانت فيها حياة إذا كانت غير مستقرة - فلا يجوز أكلها.
قلنا: الفائدة في ذلك أن الذين خوطبوا بذلك لم يكونوا يعدون الميت الا ما مات حتف أنفه من دون شئ من هذه الأسباب، فأعلمهم الله تعالى ان حكم الجميع واحد وان وجه الاستباحة هي التذكية الشرعية.