قلنا: لا شبهة في أن ايجاب مالا يتناهى لا يصح، غير أنا نفرض المسألة فنقول:
قد ثبت أن من وقف وتصدق على بعض فقراء المؤمنين يكون فاعلا للخير، وفعل المرة صحيح غير محال، فيجب تناول الآية له، وهكذا يفرض في كل مسألة. وموضع استدلالنا بعموم هذه الآية وأمثالها على استحباب شئ من العبادات أو وجوب شئ من القربات هو أن نعين على ما يصح تناول الايجاب والاستحباب له ثم ندخله في عموم الآية.
(باب) (كيفية الوقف واحكامه) قال الله تعالى " وأقرضوا الله قرضا حسنا " (1 نزلت حين وقف بعض الأنصار نخيلا، وسمى تعالى ذلك قرضا تلطفا في القول، لان الله تعالى من حيث أنه يجازيهم على ذلك بالثواب فكأنه استقرض منهم لرد عوضه.
وانما قال " حسنا " أي على وجه لا يكون فيه وجه من وجوه القبح.
و " ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله " (2 أي ما تعطوا الفقراء والمساكين تجدوا ثوابه وجزاءه.
ثم اعلم أن وجوه العطايا ثلاثة، اثنان منها في الحياة وواحد بعد الوفاة، فالذي بعد الوفاة هو الوصية، ولها كتاب مفرد نذكره فيما بعد انشاء الله، وأما اللذان في حال الحياة فهما الهبة والوقف، وللهبة باب مفرد يجئ بعد هذا.
وأما الوقف فهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وجمعه وقوف وأوقاف، وقفت يقال ولا يقال أوقفت الا شاذا نادرا، ويقال حبست وأحبست.