المتقدمة بقوله " قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم "، وقال في الآية " يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير " فخبر أن الاثم في الخمر وغيرها وأنه حرام، وذلك أن الله تعالى إذا أراد أن يفرض فريضة أنزلها شيئا بعد شئ حتى يوطن الناس أنفسهم عليها ويسكنوا إلى أمر الله ونهيه فيها وذلك من فعل الله تعالى ووجه التدبير والصواب لهم ليكونوا أقرب إلى الاخذ بها وأقل لنفارهم منها. فقال المهدي: هذه والله فتوى هاشمية (1.
(فصل) وروي أنه شرب قدامة بن مظعون الخمر في أيام عمر، فأراد أن يحده فقال له قدامة انه لا يجب علي الحد لان الله تعالى يقول " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا " (2 فدرأ عنه الحد، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فأتى المسجد وفيه عمر فقال له: لم تركت إقامة الحد على قدامة في شربه الخمر؟
فقال: تلا علي آية وتلاها عمر. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله، ان الذين آمنوا لا يستحلون حراما، فاردد قدامة واستتبه مما قال فان تاب فأقم عليه الحد وان لم يتب فاقتله فقد خرج من الملة، فعرف قدامة الخبر فأظهر التوبة (3.
والآية انما أنزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب، كعثمان بن مظعون وغيره، فبين الله لهم انه لا جناح في تناول المباح مع اجتناب المحرمات، أي ليس عليهم أثم وخروج فيما طعموا من الحلال.