الماء تحت الماء النجس ثم يوصل بينهما حتى يجرى إليه بطريق النبع ومن قسمه ان يوصل بين الحوضين المتساويين من تحتها فإنه لا ينفعل الماء حينئذ لأنه يجرى إلى الحوض النجس متساويا وبعضه غفل عن مراد المحقق فحمل النابع على مرادف الجاري فاستقرب كلامه لمخالفته بحسب الظاهر لما هو المعهود منه في حكم الجاري فإنه لا يقول بانفعاله بالملاقاة ويرى ان كلام العلامة جار على رأيه في الجاري مشيا على ظاهر الحال من عدم بلوغ النابع في الفرض المذكور ومقدار الكر والا لكان من قبيل التطهير بالكر على جهة القلب فيه وذكر بعضهم بعد نقل الاستغراب المذكور والتحقيق عندي ان الامر بالعكس فان في كلام الشيخ اشعارا بان المراد بالنابع في الفرض الذي ذكره هو البئر ونقل عبارة طويلة من الخلاف لا دلالة فيها على ما ذكره ثم قال ولا يخفى ان اراده البئر من النابع يوجه كلام المحقق حيث إنه يقول بانفعاله بالملاقاة ويشكل كلام العلامة لأنه لا يقول به والتشبث بجهة اشتراط الكرية انما يتوجه مع ظهور كون المفروض ناقصا عنها وليس بظاهر وما ذكر من القرينة عليه ضعيف الدلالة وقد كان الأولى مع البناء على هذا تفصيل المسألة على أن له في النهاية كلاما يؤذن بعدم البناء في هذا الحكم على الجهة المذكورة حيث قال لو نبع من تحته يعنى القليل النجس فإن كان على التدريج لم يطهر والأطهر ولا يخفى ان من تأمل في كلامهم عرف ان ليس مرادهم من النابع البئر وعرفت ان مرادهم ما ذكرنا فلا يراد الاشكال الذي ذكر ثم لا يخفى ان كلام المصنف في هذه المسألة مختلف فاستشكل الحكم في المنتهى معللا بأنه ينجس بالملاقاة كما نقلنا وفصل في النهاية وبمثله صرح الشهيد في الذكرى والبيان وأطلق القول بعدم الطهارة في القواعد والتحرير وقال في التذكرة لو نبع الماء من تحت الواقف النجس لم يطهره وان زال التغير وقال بعضهم ان هذا الحكم على ظاهره مشكل لان المقتضى لعدم تطهيره له كون ماء النجس أعلى حال الاتصال أو نقصان النابع عن مقدار الكر وكلاهما منظور فيه إما الأول فلو جود مثله في الجاري وقد حكم بطهارته مع التكاثر وإزالة التغير والفرق بين الموضعين ليس بواضح إما الثاني فلانه لا وجه لتخصيص الحكم بالنابع من تحت لأنه جار في مطلق النابع الناقص عن الكر فان الأجزاء الواقعة بينه على النجس المختلط به ينفعل بذلك عنده فأي نكته في التخصيص بما ذكره وهذا القائل حمل النابع في كلام المصنف على مرادف الجاري فاعترض بما ذكر وعلى ما ذكرنا من معنى كلامهم يندفع هذا الاعتراض لان الفرق بين الجاري وغيره غير خفى وإن كان أكثر فالمتغير خاصة إن كان الباقي كرا ويطهر بالقاء كر طاهر عليه دفعة فإن لم يحصل بذلك إزالة التغير فكر حتى يزول التغير أو يتموجه حتى يستهلكه الطاهر ولا ينحصر طريق تطهيره فيما ذكر بل له طرق أخرى كما عرفت وإن كان أقل من كر نجس بجميع ما يلاقيه من النجاسة وان لم يتغير وصفه بهذا مذهب جمهور الأصحاب نجاسة القليل بمجرد الملاقاة عدا ما يستثنى وذهب الحسن بن أبي عقيل إلى أنه لا ينجس الا بالتغير والمسألة محل اشكال لاختلاف الروايات جدا لكن الرجحان للأول للأحاديث الكثيرة الدالة باجتماعها وتعاضد بعضها ببعض على المطلوب كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام وسئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب وتغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ فدل بمفهوم الشرط على أن ما دون الكر يثبت له التنجيس في الجملة ولا يقدح عدم دلالتها على عموم الانفعال في جميع المياه ولكل نجاسة وعلى أي حال وقعت لأنه يستفاد منها الانفعال في الجملة ثم يضاف إليه الاجماع الظني على عدم الفصل الا في مواضع الخلاف كما سيجيئ حتى يعم وكذا الكلام في غيرها من الاخبار التي لا عموم فيها وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له غدير ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان قدر كر لم ينجسه شئ والكر ستمائة رطل وصحيحة معاوية بن عمار وحسنته عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ وصحيحة ابن أبي نصر قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الاناء وهي قدرة قال يكفي الاناء وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الحمامة والدجاجة وأشباههن تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء قيل وجهة المنع إما سلب طهارته أو سلب طهوريته والثاني منتف اجماعا فثبت الأول وصحيحة محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء وعن السنور قال لا باس بان يتوضأ من فضلها انما هي من السباع وصحيحة أبى العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام انه سأله عن فضل الحرة والشاة والبقرة وغيرها حتى انتهى إلى الكلب فقال رجس بخس لا يتوضأ بفضله واجتنب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء قرب منها اخبار متعددة ضعيفة السند كمرسلة حريز ورواية معوية بن شريح ورواية معوية بن ميسرة وصحيحة زرارة قال قلت كيف يغتسل الجنب فقال إن لم يكن أصاب كفه منى غمسها في الماء الحديث وفى موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا توضأ ولا تشرب وفى موثقة عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدرى أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما جميعا ويتيمم وفى معناه رواية سماعة وفى موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عما شربت منه الدجاجة قال إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب وان لم يعلم أن في منقارها قذرا توضأ واشرب وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن رجل رعف فامتحظ فصار ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب اناءه هل يصلح الوضوء منه قال إذا لم يكن شئ يستبين في الماء فلا باس فإن كان شيئا بنيا فلا يتوضأ منه وسال عمار الساباطي أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجد في انائه فارة وقد توضأ من ذلك الاناء مرارا وغسل منه ثيابه واغتسل ومذ كانت الفارة متسلخة فقال إن كان رأها في الاناء قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه ان يغسل ثيابه ويغسل كل ما اصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة وإن كان انما رأها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من الماء شيئا وليس عليه شئ لأنه لا يعلم متى سقط فيه ثم قال لعله ان يكون انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أصاب الرجل جنابة فادخل يده في الاناء فلا باس ان لم يكن أصاب يده شئ من المنى وفى رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال إن كانت يده قذرة فأهرقه إلى غير ذلك من الاخبار ويؤيده غير واحد من الأخبار الواردة في تحديد الكر احتج ابن أبي عقيل بأنه قد تواتر عن الصادق عليه السلام عن ابائه عليهم السلام ان الماء طاهر لا ينجسه الا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته وانه سئل عليه السلام عن الماء النقيع والغدير واشباههما فيه الجيف والقذر وولوغ الكلاب وتشرب منه الدواب وتبول فيه أيتوضأ منه فقال لسائله إن كان ما فيه من النجاسة غالبا على الماء فلا يتوضأ منه وإن كان الماء غالبا على النجاسة فتوضأ منه واغتسل وسئل الباقر عليه السلام عن القربة والجرة من الماء تسقط فيها فارة وجرد أو غيره فيموتون فيها فقال إذا غلب رائحته على طعم الماء أو لونه فارقه وان لم يغلب عليه فاشرب منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية وهذه الأحاديث عامة في القليل والكثير والأخبار الدالة على الكثير مقيدة ولا يجوز ان يكونا في وقت واحد للتنافي بينهما بل أحدهما سابق فالمتأخر يكون ناسخا والمتأخر هنا مجهول فلا يجوز ان نعمل بأحد الخبرين دون الأخر ويبقى التعويل على الكتاب الدال على طهارة الماء مطلقا وأجيب عنه بعد سلامة سندها انها مطلقة وما ذكرناه نحن مقيد ويجب حمل المطلق على المقيد جمعا بين الأدلة ولا منافاة بينهما وليس بواجب تأخير المقيد عن المطلق ولو تأخر لم يكن ناسخا لحكم المطلق واحتج أيضا باخبار اخر ضعيفة السند والدلالة ومما يدل على مذهبه بعمومه صحيحة حريز ورواية أبى خالد القماط الدالتين على طهارة الماء الذي لم يتغير والجواب ما ذكر من حمل المطلق على المقيد وهذا أولي من ارتكاب التأويل فيما ذكرناه من الاخبار لكثرتها واعتضادها بالشهرة ومنها صحيحة محمد بن إسماعيل بزيع قال كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء أو يستقى فيه من بئر فيستنجى فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ما حده الذي لا يجوز فكتب لا تتوضأ من مثل هذا الماء الا من ضرورة إليه وجوابه الحمل على الغالب من كون الغدير يسع مقدار الكر ومما يمكن ان يحتج به لمذهبه حسنة محمد بن ميسر قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهى إلى الماء القليل في الطريق ويريد ان يغتسل منه وليس معه اناء يغرف به ويداه قذرتان قال يضع يده ويتوضأ ويغتسل هذا مما قال الله عز وجل ما جعل عليكم في الدين من حرج وجوابه ظاهر مما قررناه ومنها صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أيتوضأ من ذلك الماء قال لا باس ويمكن عنه
(١٢٤)