وإنما المراد به لا مثل له. وكذلك قوله تعالى (ما منعك ألا تسجد 1) وإنما معناه:
ما منعك أن تسجد. وقول الشاعر:
ولا ألزم البيض إلا تسخرا 2 والمعنى: أن تسخرا، ف (إلا) زائدة، ودخولها مغير للمعنى قبل التأمل.
وأما حملهم طلب التدني على الفصاحة على أن يزيدوا حروفا تغير ظاهرها المعنى. فالأولى أن يفعلوا ذلك فيما لا يغير ظاهر زيادته معنى.
وأظن أني قد أمليت في بعض كلامي وجها غريبا ينافي زيادة (لا) في قوله تعالى (وما منعك ألا تسجد).
وهو أن يكون المعنى: ما حملك على أن لا تسجد، ودعاك إلى أن لا تسجد، لأن إبليس ما امتنع من السجود إلا بداع إليه وحامل عليه، والداعي والحامل إلى أن لا يسجد مانع من السجود، فأورد لفظة (المنع) ويبنى الكلام على معناها، فأدخل لفظة (لا) بناء على المعنى لا اللفظ. وهذا لطيف من التعلل.
ويمكن في قوله (إلا تسخرا) ما يقارب ذلك من الحمل على المعنى، لأن الغرض بالكلام إني لا الزمن 3 أن تسخرن مع مشاهدة الشعر الأبيض، فأدخل لفظة (لا).
ويجوز أن يكون سبب إدخالها أن معنى كلامه: إني لا ألوم البيض طالبا أن لا تسخرا. وأريد ألا يكون ذلك منهن، لأن من يبرأ من لوم البيض على أن يسخرن، فقد يبرأ من أن يلومهن طالبا ألا يسخرن، فلفظة (لا) هاهنا مفيدة غير زائدة.