لأنه قال بوجوهكم المراد به انه سبحانه لما لم يعد هنا فعل المسح بنفسه إلى الوجوه كما عدي فعل الغسل في الوضوء بل عداه بالباء التبعيضية كما في تعدية المسح إلى الرؤس علم أن الممسوح في التيمم بعض الوجه لا كله ولما وصل الأيدي بالوجوه علم أن الممسوح بعضها أيضا وقوله عليه السلام لأنه علم إلى آخره تعليل لقوله أثبت بعض الغسل مسحا اي جعل بعض المغسول ممسوحا حيث قال بوجوهكم بالباء التبعيضية لأنه تعالى علم أن ذلك الصعيد العالق بالكف لا يجري على كل الوجه لأنه يعلق ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ويجوز ان يكون تعليلا لقوله عليه السلام قال بوجوهكم وهو قريب من الأول ولا يجوز ان يجعل تعليلا لقوله عليه السلام اي من ذلك التيمم سواء أريد بالتيمم معناه المصدري أو المتيمم به اما على الأول فظاهر وكذا على الثاني إذا جعلت من ابتدائية وأما إذا جعلت تبعيضية فلان المراد اما بعض الصعيد المضروب عليه أو بعضه العالق بالكف وعلى التقديرين لا يستقيم التعليل بعلم الله ان ذلك بأجمعه لا يجزي على الوجه ثم تعليل ذلك بأنه يعلق منه ببعض الكف ولا يعلق ببعضها فعليك بالتأمل الصادق واعلم أن المنقول عن ابن الجنيد اشتراط علوق شئ من التراب بالكفين وأوجب المسح به و احتج له في المختلف بقوله تعالى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ثم أجاب بالمنع من عود الضمير إلى الصعيد وأجاب في المنتهى عن هذا الاستدلال بان لفظة من في الآية مشتركة بين التبعيض وابتداء الغاية فلا أولوية في الاحتجاج بها وكذلك أجاب شيخنا الشهيد في الذكرى ثم قال مع أن في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ان المراد من ذلك التيمم قال لأنه علم أن ذلك أجمع ولا يجري على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها وفى هذا إشارة إلى أن العلوق غير معتبر انتهى كلامه بلفظه وتحقيق الكلام في هذا المقام انما يتم بالبحث عن لفظة من في الآية الكريمة والنظر فيما يستفاد من هذا الحديث في معناها فتقول ان الأقوال المذكورة في كلام المفسرين من علماء العربية في معاني من في هذه الآية ثلاثة الأول انها لابتداء الغاية بمعنى ان المسح بالوجوه والأيدي يبتدي من الصعيد أو من الضرب عليه وربما يظن أن فيما تضمنه الحديث من قوله عليه السلام اي من ذلك التيمم إشارة إلى هذا الثاني انها للسببية وضمير منه للحدث المدلول عليه بالكلام السابق كما يقال تيممت من الجنابة وأورد عليه انه خلاف الظاهر ومتضمن لقطع الضمير عن الأقرب واعطائه للأبعد ومستلزم لجعل لفظة منه تأكيدا لا تأسيسا إذا السببية تفهم من الفاء ومن جعل المسح في معرض الجزاء الثالث انها للتبعيض وضمير منه للصعيد كما تقول اخذت من الدراهم وأكلت من الطعام وصاحب الكشاف مع أنه حنفي المذهب ومذهب أبي حنيفة عدم اشتراط العلوق اختار في تفسيره هذا الوجه وقال إنه الحق بل ادعى انه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن ومن الماء ومن التراب الا معنى التبعيض وحكم بان القول بأنها لابتداء الغاية تعسف فهذا ما ذكره المفسرون من الوجوه في لفظة من في الآية الكريمة فلنعد إلى الحديث وننظر ما ينطبق عليه منها فنقول واما الوجه الثاني فعدم انطباقه عليه ظاهر واما الوجه الأول فربما يتراءى انه منطبق عليه فإنه عليه السلام أعاد الضمير في لفظة منه إلى التيمم وهو لا يستقيم الا على تقدير كونها لابتداء الغاية إذ لا معنى للتبعيض حينئذ وفيه ما لوحنا به قبيل هذا ومن جواز ان يكون عليه السلام أراد بالتيمم المتيمم به اي الصعيد العالق بالكف بل ربما يدعى ان هذا هو المراد لا غير إذ الإشارة في قوله عليه السلام لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجزي على الوجه انما هي إلى التيمم بهذا المعنى لا بمعنى الصعيد المضروب عليه ولا بالمعنى
(٨٨)