بالأفق المسمى بالصبح الصادق دون الأول المستطيل الذي يتوسط بينه وبين الأفق ظلمة وهو المسمى بالصبح الكاذب ونحن نقدم لتحقيق هذا المقام كلاما أورده العلامة قدس الله روحه في المنتهى ونشرحه بما يتضح به هذا المبحث غاية الاتضاح ثم نعود بعد ذلك إلى ما نحن بصدده وهذا البحث وان لم يكن من وظيفة الفقيه من حيث هو فقيه الا انا اقتفينا في ذلك اثر العلامة أحله الله دار الكرامة قال طاب ثراه اعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس وانما يستضئ بها ما كان كمدا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر واجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة وكلما يستضئ من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه وقد قدر الله بلطيف حكمته دوران الشمس حول الأرض فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط ويكون الهواء المستضئ بضياء الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فيستضئ نهايات الظل بذلك الهواء المضئ لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في اجزاء المخروط بل كلما ازداد بعدا ازداد ضعفا فاذن متى تكون في وسط المخروط تكون في أشد الظلام فإذا اقتربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقربت الاجزاء المستضيئة من حواشي الظل بضياء الهواء من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح وعلى هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر إلى أن تطلع الشمس وأول ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود ويسمى الصبح الكاذب والأول ويشبه بذنب السرحان لدقته واستطالته ويسمى الأول لسبقه على الثاني والكاذب لكون الأفق مظلما اي لو كان يصدق انه نور الشمس لكان المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد منه ويكون خفيفا؟ دقيقا ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ثم سيزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا فينبسط في عرض الأفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضا وحمرة ثم سيزداد الضوء إلى أن يحمر الأفق ثم تطلع الشمس انتهى كلامه أعلى الله مقامه وقوله طاب ثراه انما يستضئ بها ما كان كمدا في نفسه كثيفا في جوهره ناظرا إلى ما ذهب إليه جماعة من أن الهواء الصافي من الشوائب لا يتكيف بالضوء وانما يتكيف به الهواء المخالط للاجزاء البخارية والدخانية أعني كرة البخار التي فيها يتحقق الصبح والشفق وحكمه طاب ثراه بمخروطية شكل ظلمه الأرض مبنى على ما قام عليه البرهان في محله من أن الشمس أعظم من الأرض وانه متى استضاءت كرة صغرى من كرة عظمي كان المضئ من الصغرى أكثر من نصفها والمظلم أقل منه ويكون ظلها مخروطيا وقوله لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا إلى اخره يريد به ان الهواء لما كان تكيفه بالضوء بواسطة مخالطة الاجزاء البخارية القليلة الكثافة لم يكن شديد الضوء وانه كلما ازداد بعدا عنا ازداد ضوءه ضعفا في الحس إلى أن ينعدم بالكلية ولذلك لا يرى في أواسط الليل شئ من ذلك الضوء؟ واما قوله ان أول ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقا مستطيلا إلى قوله لكون الأفق مظلما إلى اخره فهو متضمن لحكمين الأول استطالة الصبح الكاذب والثاني كون ما بينه وبين الأفق مظلما وهذان الأمران معلومان بالمشاهدة والسبب فيهما هو ان مخروط الظل إذا زاد ميله نحو الأفق الغربي لقرب الشمس من الأفق الشرقي ازداد الضوء المحيط به قربا إلى الناظر وأول ما يرى منه ما هو أقرب إليه وهو موقع خط خارج من بصره عمودا على الضلع الذي يلي الشمس من ضلعي المثلث الحاصل من قطع المخروط بسطح ما وبسهمه ومركزي الأرض والشمس وانما كان هذا الموقع أقرب إلى الناظر لان هذا العمود أقصر الخطوط الخارجة من البصر منتهية إلى
(١٤٥)