وكان إذا جلس وحده لم يأته أحد حتى يدعوه، قال: ادع لي أبا بكر، قال: فجاء فجلس بين يديه فناجاه طويلا، ثم أمره فجلس عن يمينه أو عن يساره، ثم قال: ادع لي عمر، فجاء فجلس مجلس أبي بكر فناجاه طويلا، فرفع عمر صوته فقال: يا رسول الله! هم رأس الكفر، هم الذين زعموا أنك ساحر، وأنك كاهن، وأنك كذاب، وأنك مفتر، ولم يدع شيئا مما كان أهل مكة يقولونه إلا ذكره، فأمره أن يجلس من الجانب الآخر فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ثم دعا الناس فقال: (ألا أحدثكم بمثل صاحبيكم هذين؟ قالوا: نعم، يا رسول الله، فأقبل بوجهه إلى أبي بكر فقال: إن إبراهيم كان ألين في الله من الدهن في اللبن، ثم أقبل على عمر فقال: إن نوحا كان أشد في الله من الحجر، وإن الامر أمر عمر، فتجهزوا)، فقاموا فتبعوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر! إنا كرهنا أن نسأل عمر ما هذا الذي ناجاك به رسول الله (ص)، قال: قال لي: كيف تأمروني في غزوة مكة؟ قال: قلت: يا رسول الله! هم قومك، قال: حتى رأيت أنه سيطيعني، قال: ثم دعا عمر فقال عمر: إنهم رأس الكفر حتى ذكر كل سوء كانوا يذكرونه، وأيم الله لا تذل العرب حتى يذل أهل مكة، فأمركم بالجهاد ولتغزوا مكة.
(35) ما ذكروا في الطائف (1) حدثنا أبو بكر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو وقال مرة: عن ابن عمر قال: حاصر رسول الله (ص) أهل الطائف فلم ينل منهم شيئا، فقال: (إنا قافلون غدا، فقال المسلمون: نرجع ولم نفتتحه، فقال رسول الله (ص): أغدوا على القتال، فغدوا، فأصابتهم جراح، فقال رسول الله (ص): إنا قافلون غدا)، فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله (ص).
(2) حدثنا عبيد الله بن موسى عن طلحة بن جبر عن المطلب بن عبد الله عن مصعب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله (ص) مكة انصرف إلى الطائف، فحاصرهم تسع عشرة أو ثمان عشرة فلم يفتتحها ثم ارتحل روحة أو غدوة، فنزل ثم قال: (أيها الناس! إني فرط لكم فأوصيكم بعترتي خيرا، وإن موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده ليقيمن الصلاة وليؤتن الزكاة أو لأبعثن إليهم رجلا مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتلتهم وليسبين ذراريهم، قال: فرأى الناس أنه أبو بكر أو عمر، فأخذ بيد علي فقال: هذا).