قوله (من كذب علي) قال الكرماني معنى كذب عليه نسب الكلام كاذبا إليه سواء كان عليه أو له انتهى قال القاري وبهذا يندفع زعم من جوز وضع الأحاديث للتحريض على العبادة كما وقع لبعض الصوفية الجهلة في وضع أحاديث في فضائل السور وفي الصلاة الليلية والنهارية وغيرهما والأظهر أن تعديته بعلى لتضمين معنى الافتراء (متعمدا) نصب على الحال وليس حالا مؤكدا لأن الكذب قد يكون من غير تعمد وفيه تنبيه على عدم دخول النار فيه (فليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا وهو أمر بمعنى الخبر أيضا أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك قال الكرماني يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوأ ويلزم عليه كذا قال وأولها أولاها فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ بني له بيت في النار قال الطيبي فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوأ وحديث عبد الله بن مسعود هذا أخرجه ابن ماجة أيضا قوله (لا تكذبوا علي) هو عام في كل كاذب مطلق في كل نوع من الكذب ومعناه لا تنسبوا الكذب إلى ولا مفهوم لقوله على لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا نحو لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه ولا يعتد بمن خالف من الكرامية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتج بأنه كذب له لا عليه وهو جهل باللغة العربية وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ من كذب على ليضل به الناس الحديث وقد اختلف في وصله وإرساله ورجح الدارقطني والحاكم
(٣٥٠)