وعلى هذه الرواية فالمراد كأنما يجر في بطنه نارا، فقال: يجرجر طلبا لتضعف اللفظ الدال على تكثير الفعل كما جاء في التنزيل " فكبكبوا فيها هم والغاوون " و المراد فكبوا، فيجوز على هذا أن يقال: جر وجرجر كما يقال: كب وكبكب، وإن كان الوجه أن يقال: جرجر، وقد جاء في كلام العرب جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعا متواترا له صوت كصوت جرجرة البعير، فيكون المراد على هذا القول كأنما يتجرع نار جهنم، وهذا أصح التأويلين.
فأما آنية الذهب والفضة فلا يحل عندنا الاكل فيها ولا الشرب منها، ولا يجوز أيضا استعمالها في شئ مما يؤدي إلى مصالح البدن نحو الادهان، واتخاذ الميل للاكتحال، والمجمرة للبخور، وكنت سألت شيخنا أبا بكر محمد بن موسى الخوارزمي رحمه الله عند انتهائي في القراءة عليه إلى هذه المسألة من كتاب الطهارة عن المدخنة إذ لا خلاف في المجمرة، فقال: القياس أنها غير مكروهة لأنها تستعمل على وجه التبع للمجمرة، فهي غير مقصودة بالاستعمال، لان المجمرة لو جردت من غيرها في البخور لقامت بنفسها، ولم يحتج إلى المدخنة، مضافة إليها، فأشبهت الشرب في الاناء المفضض إذا لم يضع فاه على موضع الفضة، وفي هذه المسألة خلاف للشافعي لأنه يكره الشرب في الاناء المفضض.
وذهب داود الأصبهاني إلى كراهة الشرب في أواني الذهب والفضة دون غيره من الاكل والاستعمال في مصالح الجسم، مضيا على نهجه في التعلق بظاهر الخبر الوارد في كراهة الشرب خاصة، وليس هذا موضع استقصاء الكلام في هذه المسألة إلا أن المعتمد عليه كراهة استعمال هذه الأواني، الخبر الذي قدمنا ذكره لما فيه من تغليظ الوعيد، وقد روي عنه عليه السلام أنه قال: " من شرب بها في الدنيا لم يشرب بها في الآخرة " فثبت بهذين الخبرين وما يجري مجراهما كراهة الشرب فيها، ثم صار الاكل والادهان والاكتحال مقيسا على الشرب، بعلة أن الجميع يؤدي إلى منافع الجسم (1).