وجد النهي تحريما عنهما، والنهي عن الأعيان غير معقول فيحمل على ما هو المطلوب منه غالبا كما هو مقتضي الأصول، وهو الاستعمال مطلقا لافي الاكل ولا في الشرب للظاهر، ولأنه أقرب إلى الحقيقة، فعلم مما عرفت عدم دليل على تحريم الاتخاذ للقنية أيضا كما هو مذهب الأكثر ولا تزيين المجالس والبيوت وغير ذلك لعدم ثبوت ما يصلح دليلا عليه مع الأصل ومثل " من حرم زينة الله " وحصر المحرمات في بعض الآيات وعدم دخوله فيها.
ثم قال رحمه الله: وبالجملة لولا دعوى الاجماع، وعدم ظهور الخلاف والفرق لكان القول بكراهة استعمال الأواني حسنا لعدم دليل التحريم للفظ " كرههما " وعطف النهي عن المفضض المحمول على الكراهة على نهيها، مع أنه حسن، فالاجماع مع ظهور بعض الأخبار يدل على بعض تحريم مطلق الاستعمال والاحتياط مع بعض الأخبار أيضا يدل على تحريم القنية أيضا فلا يترك انتهى.
وأقول: حمل النهي الوارد على الأعيان على مطلق الاستعمال أو الانتفاع محل نظر، بل يحتمل حمله على الانتفاع الغالب الشايع كالأكل والشرب هنا، والوطي في قوله تعالى: " حرمت عليكم أمهاتكم " والاكل " في حرمت عليكم الميتة "، وأمثال ذلك كما أشرنا إليه سابقا.
الثاني: اختلف الأصحاب في الأواني المفضض، فقال الشيخ في الخلاف:
حكمها حكم الأواني المتخذة من الذهب والفضة، وقال في المبسوط: يجوز استعمالها لكن يجب عزل الفم عن موضع الفضة، واختاره العلامة رحمه الله وعامة المتأخرين قالوا: بالكراهة، وهو أقوى لصحيحة عبد الله بن سنان.
احتج الشيخ على التحريم بحسنة الحلبي فان العطف يقتضي التساوي، وبرواية بريد لان المراد بالكراهة في الأول التحريم فيكون في الثاني كذلك تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه، واحترازا عن عموم الاشتراك والمجاز، ورواية عمرو بن أبي المقدام وأجيب بأن لزوم مطلق التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه ممنوع، وخبر الحلبي محمول على الكراهة في المفضض، جمعا بينه وبين ما هو أقوى منه،