الطفل الصغير.
إذا عرفت هذا فنقول: ظهر أن السبب الذي لأجله يتولد اللبن من الدم في حق الأنثى غير حاصل في حق الذكر، فظهر الفرق.
وإذا عرفت هذا فنقول: المفسرون قالوا: المراد من قوله " من بين فرث ودم " هو أن هذه الثلاثة تتولد في موضع واحد، فالفرث يكون في أسفل الكرش، والدم يكون في أعلاه، واللبن يكون في الوسط، وقد دللنا على أن هذا القول على خلاف الحس والتجربة.
وأما نحن فنقول: المراد به من الآية هو أن اللبن إنما يتولد من بعض أجزاء الدم، والدم إنما يتولد من الاجزاء اللطيفة التي في الفرث، وهو الأشياء المأكولة الحاصلة في الكرش، فهذا اللبن متولد من الاجزاء التي كانت حاصلة فيما بين الفرث أولا ثم كانت حاصلة فيما بين الدم ثانيا، وصفاه الله تعالى عن تلك الأجزاء الكثيفة الغليظة، وخلق فيها الصفات التي باعتبارها صارت لبنا يكون موافقا [لبدن الطفل، فهذا ما حصلناه في هذا المقام.
ثم اعلم أن حدوث اللبن في الثدي واتصافه بالصفات التي باعتبارها يكون موافقا] (1) لتغذية الصبي مشتمل على حكمة عجيبة وأسرار بديعة، يشهد صريح العقل بأنها لا تحصل إلا بتدبير الفاعل الحكيم، المدبر الرحيم، وبيانه من وجوه:
الأول أنه تعالى خلق في أسفل المعدة منفذا يخرج منه ثقل الغذاء، فإذا تناول الانسان غذاء أو شربة رقيقة انطبق ذلك المنفذ انطباقا كليا لا يخرج منه شئ من ذلك المأكول والمشروب إلى أن يكمل انهضامه في المعدة، وينجذب ما صفي منه إلى الكبد، ويبقى الثفل هناك فحينئذ ينفتح ذلك المنفذ، وينزل منه ذلك الثفل، وهذا من العجائب التي لا يمكن حصولها إلا بتدبير الفاعل الحكيم، لأنه متى كانت الحاجة إلى خروج ذلك الجسم عن المعدة انفتح، ويحصل الانطباق تارة، والانفتاح أخرى بحسب