تفسير: أقول: قد مر تفسيرها في باب النحل، وجملته أن الوحي إما إلهام من الله أو كناية عن جعله ذلك في غرائزها، " ومما يعرشون " الضمير للناس، والمراد بالعرش رفع البناء كالسقوف والكروم " ذللا " جمع ذلول، وهي حال من السبل، أو من الضمير في " فاسلكي ".
" فيه شفاء للناس " إما بنفسه كما في بعض الأمراض البلغمية، أو مع غيره كما في ساير الأمراض، إذ قلما يوجد معجون لم يكن العسل جزءا منه، مع أن التنكير يشعر بالتبعيض، ويجوز أن يكون للتعظيم والتكثير، وقيل: الضمير للقرآن وهو بعيد.
" إن في ذلك لآية " الخ فان من تفكر في أحوال النحل وأفعاله، ووجود العسل وكيفية حصوله، علم قطعا أن الله سبحانه هو المعلم له، وأنه قادر مختار حكيم عليم متصف بجميع صفات الكمال، وليس فيه نقص بوجه، وفيها دلالة على حل العسل بل الشمع فإنه قل ما ينفك عنه، وجواز اتخاذ النحل للعسل ما لم يمنع منه مانع شرعي، وجواز الاستشفاء منه مفردا ومركبا، وأن الله يشفي بالدواء وإن كان قادرا عليه بغيره لحكمة في ذلك، وجواز طلب علم الطب، بل علم الكلام، والتفكر في الافعال والأعمال، والاستدلال بها على وجود الواجب وصفاته، والحسن والقبح العقليين، وغير ذلك، كذا ذكره بعض الأفاضل وفي بعضها مجال مناقشة.
1 - مجمع البيان: نقلا عن العياشي مرفوعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام أن رجلا قال له: إني موجع بطني، فقال: ألك زوجة؟ قال: نعم، قال: استوهب منها شيئا من مالها طيبة نفسها ثم اشتر به عسلا ثم أسكب عليه من ماء السماء ثم اشربه، فاني سمعت الله سبحانه يقول في كتابه: " وأنزلنا من السماء ماء مباركا " وقال: " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس " وقال: " وإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " وإذا اجتمعت البركة والشفا والهنيئ شفيت إنشاء الله (1).